محمد أحمد كيلاني
لعدة قرون، اعتقد المؤرخون أن الحضارة المينوية في جزيرة كريت، المشهورة بقوتها البحرية، أول الملاحين الذين رأت أوروبا النور عليهم، لكن دراسة جديدة نشرت في مجلة “PLOS ONE” غيرت هذا الجدول الزمني تمامًا، حيث وضعت أول زوارق شراعية في البحر الأبيض المتوسط منذ حوالي 7000 عام، وذلك في منتصف العصر الحجري الحديث، فقد تم العثور على سفن تعود إلى 7000 تحت مياه البحر الأبيض المتوسط.
سفن تحت مياه البحر المتوسط
وقد أوضح ذلك فريق من العلماء بقيادة “المجلس الإسباني الأعلى للبحوث العلمية” (CSIC) ومتحف الحضارة وجامعة بيزا الذين أجروا تحليلًا لخمس سفن من العصر الحجري الحديث تم العثور عليها في موقع مارموتا الإيطالي والتي تبين أن عددها يتراوح بين 7000 و7500 قطعة.
أن بدايات العصر الحجري الحديث موثقة في الشرق الأدنى بحوالي العام 10000 قبل الميلاد، واحتلت مجتمعات تلك المنطقة تدريجيًا البحر الأبيض المتوسط بأكمله حوالي 7500-7000 قبل الميلاد.
ووصلت إلى سواحل البرتغال حوالي 5400 ق.م، ومع ذلك، على الرغم من أنه كان معروفًا أن مجتمعات العصر الحجري في هذه المناطق من أوروبا اعتمدت على المحيط في السفر والتجارة والمهام الأخرى، إلا أنه لم يكن لدينا بقايا قديمة لبراعتهم التكنولوجية في العصر الحجري الحديث.
ولدينا اليوم دليل على أن هذه الزوارق الخمسة المبنية من الأشجار المجوفة ستكون أول قوارب من العصر الحجري الحديث في البحر الأبيض المتوسط، وبنيتها ليست بسيطة على الإطلاق، بل إنها تقدم تقنيات بناء متطورة حقًا، لذلك الوقت بالطبع.
أقرأ أيضاً.. السفينة الشراعية الإسبانية.. وجه الهيمنة الإمبراطورية
ويكشف التأريخ المباشر لزوارق “لا مارموتا” من العصر الحجري الحديث أنها الأقدم في البحر الأبيض المتوسط، مما يوفر معلومات لا تقدر بثمن عن الملاحة في العصر الحجري الحديث.
وخلص الباحثون إلى أن “هذه الدراسة تكشف عن التطور التكنولوجي المدهش للمجتمعات الزراعية والرعوية المبكرة، وتسلط الضوء على مهاراتهم في الأعمال الخشبية وبناء القوارب المعقدة”.
وتشير جودة وتعقيد هذه السفن التي وجدت تحت البحر والتي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ إلى تحقيق العديد من التطورات المهمة في الملاحة في أواخر العصر الحجري.
واكتشفه علماء الآثار عام 1989 مغموراً على عمق 8 أمتار تحت سطح بحيرة براتشيانو، التي ترتبط بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق نهر أروني.
ومن بين الاكتشافات العديدة التي عثر عليها أجزاء من منازلها الخشبية إلى جانب مجموعة ضخمة من الأدوات الخشبية المستخدمة في نسج المنسوجات والسلال.
ومن بين الزوارق الخمسة التي تم العثور عليها في الموقع المغمور، كان أكبرها مصنوعًا من جذع ضخم من خشب البلوط ويبلغ طوله 10.43 مترًا.
واستخدم صانعو القوارب “تقنيات بناء متقدمة” لصنع القوارب، وبحسب المؤلفين، فإن أربع “تعزيزات عرضية” في قاعدة القارب “كان من شأنها أن تزيد من متانة الهيكل وتحميه، بالإضافة إلى تحسين التعامل معه”.
ويرتبط الزورق أيضًا بثلاثة أشياء خشبية على شكل حرف T، ولكل منها سلسلة من الثقوب التي ربما كانت تستخدم لربط الحبال المربوطة بالأشرعة أو العناصر البحرية الأخرى.
وعلاوة على ذلك، “تشير خصائص هذه الأشياء وموضعها إلى أنه كان من الممكن استخدامها لتثبيت حبال مربوطة بشراع محتمل أو لربط عناصر بحرية أخرى مثل ذراع الامتداد أو حتى قارب آخر لإنشاء هيكل مزدوج على شكل طوف”.
وكان من الممكن أن توفر هذه الاستراتيجيات قدرًا أكبر من الأمن والاستقرار وقدرة أكبر على نقل الأشخاص والحيوانات والبضائع.”
ومن الجدير بالذكر أيضًا قدرة البناة على تضمين أنواع متعددة من الخشب في إبداعاتهم، حيث يظهر ذلك أنهم يعرفون “الأشجار التي يمكن استخدامها لصنع الزوارق”.
ونظرًا لحجم الزوارق، يشتبه الباحثون في أنها ربما كانت مخصصة للاستخدام في مناطق أبعد من بحيرة براتشيانو.
وتكشف دراستنا عن التطور التكنولوجي المذهل للمجتمعات الزراعية والرعوية المبكرة، وتسلط الضوء على مهاراتهم في الأعمال الخشبية وبناء القوارب المعقدة”، كما علق الخبراء.
ويصف المؤلفون هذه الزوارق بأنها أمثلة استثنائية لسفن ما قبل التاريخ التي يتطلب بناؤها فهمًا تفصيليًا للتصميم الهيكلي وخصائص الخشب، فضلاً عن قوة عاملة ماهرة جيدة التنظيم.
وبالنظر إلى أوجه التشابه بين هذه الميزات والتقنيات البحرية الأحدث، يشك الباحثون في أن “العديد من التطورات المهمة في الملاحة يجب أن تكون قد تم إحرازها خلال العصر الحجري الحديث المبكر”.
وعلاوة على ذلك، يشير هذا الاكتشاف إلى أنها لن تكون السفن الوحيدة من هذا النوع التي يمكن أن نجدها بالقرب من موقع لا مارموتا، لذلك فمن المرجح أنها لا تزال تخفي بعض الأسرار الأخرى في المناطق المحيطة بها.
أقرأ أيضاً.. أجمل طرق السفر في العالم.. مخصصة للمشي على الأقدام