رُكن مقالات مُستبشر

شركة سابك للمغذيات الزراعية.. إرادة سعودية تصنع مستقبل الزراعة العالمية من قلب الصحراء

لا يمكن الحديث عن مستقبل الزراعة المستدامة دون التوقف عند نموذج شركة سابك للمغذيات الزراعية، التي نجحت في تحويل موقعها الجغرافي في صحراء السعودية إلى فرصة لقيادة ثورة زراعية عالمية. منذ تأسيسها عام 1984، وضعت الشركة نصب عينيها هدفًا واحدًا: إعادة تعريف دور الأسمدة في تحقيق الأمن الغذائي دون إرهاق الكوكب. اليوم، وبعد أربعة عقود من الابتكار، أصبحت سابك رمزًا للجمع بين العراقة الصناعية والريادة التكنولوجية، حيث تُصدّر حلولها الزراعية إلى أكثر من 100 دولة، مساهمةً في إطعام ملايين البشر.

2023.. عام الاختراقات التي غيرت قواعد اللعبة

شكّل العام الحالي نقطة تحول استراتيجية لسابك، حيث أعلنت عن سلسلة مشاريع ثورية تعكس رؤيتها لزراعة أكثر ذكاءً واستدامة. يأتي في مقدمتها إطلاق الأسمدة النانوية الذكية، التي صُممت لتتلاءم مع الظروف المناخية القاسية، فتُطلق العناصر الغذائية بشكل تدريجي بناءً على حاجة النبات، مما يقلل الهدر بنسبة تصل إلى 60% ويحافظ على خصوبة التربة لسنوات.

ولم تتوقف الابتكارات عند هذا الحد، بل أطلقت الشركة بالشراكة مع علماء من معهد ماكس بلانك الألماني مشروعًا رائدًا لتحويل انبعاثات الكربون إلى أسمدة سائلة عبر تقنيات احتجاز الكربون المتطورة. هذا المشروع، الذي وصفه خبراء البيئة بأنه “نموذج للاقتصاد الدائري”، يهدف إلى تقليل البصمة الكربونية للقطاع الزراعي مع زيادة الإنتاجية.

كما دشنت سابك مصنع نيوم الأخضر، أول منشأة صناعية في العالم لإنتاج الأسمدة تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة، بقدرة إنتاجية تصل إلى 2.5 مليون طن سنويًّا. هذا المصنع ليس مجرد منشأة صناعية، بل تجسيد عملي لرؤية السعودية 2030 في تحويل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية.

شركة سابك للمغذيات الزراعية.. أدوات الثورة الزراعية.. عندما تلتقي التكنولوجيا بالتربة

في قلب استراتيجية سابك تكمن فلسفة “الزراعة الدقيقة”، التي تعتمد على دمج التقنيات الحديثة مع الخبرات الزراعية التقليدية. أحد أبرز تجليات هذه الفلسفة هو تطبيق “مزارع المستقبل”، الذي يعتمد على تحليل البيانات الضخمة من الأقمار الصناعية والمستشعرات الأرضية لتقديم توصيات مخصصة لكل مزارع. من تحديد الموعد الأمثل للتسميد إلى حساب كمية المياه الدقيقة المطلوبة بناءً على تنبؤات الطقس، أصبح هذا التطبيق بمثابة مساعد رقمي لا غنى عنه للمزارعين في عصر التغيرات المناخية.

وفي خطوة غير مسبوقة، طورت سابك نوعًا جديدًا من الأسمدة القابلة للذوبان في الماء، المصنوعة بالكامل من مواد عضوية آمنة. هذه الأسمدة لا تذوب فحسب، بل تتفاعل مع التركيبة الكيميائية للتربة لتعزيز امتصاص المغذيات، مما يجعلها حلًّا مثاليًّا للمناطق التي تعاني من تدهور التربة أو ندرة المياه.

شركة سابك للمغذيات الزراعية.. شراكات عالمية.. جسور من التعاون تمتد عبر القارات

تعتمد سابك في توسعها العالمي على شبكة من الشراكات الاستراتيجية التي تجمع بين الخبرة المحنية والرؤية العالمية. فبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تعمل الشركة على توزيع مليون طن من الأسمدة المدعومة على المزارعين في الدول النامية بحلول 2026، بهدف زيادة الإنتاجية بنسبة 40% في تلك المناطق.

ولم يقتصر التعاون على المؤسسات الدولية، بل شمل تحالفات مع شركات التكنولوجيا الحيوية الرائدة لتطوير بذور هجينة تتفاعل بكفاءة مع أسمدة سابك، مما يضمن نموًّا أسرع للمحاصيل ومقاومة أعلى للأمراض. كما أقامت الشركة مراكز تدريب في أمريكا اللاتينية وآسيا لتعليم المزارعين أحدث تقنيات الزراعة الدقيقة، مؤكدةً بذلك دورها كشريك تنموي وليس مجرد مورّد تجاري.

تحويل التحديات إلى سلم للارتقاء.. قصة نجاح ترويها الأرقام

واجهت سابك في السنوات الأخيرة سلسلة من التحديات العالمية، بدءًا من اضطرابات سلاسل الإمداد بسبب الجائحة، وصولًا إلى ارتفاع تكاليف الطاقة. لكنها استطاعت تحويل هذه الأزمات إلى فرص عبر إطلاق مشاريع مبتكرة مثل إنشاء مراكز لوجستية ذكية في الهند والبرازيل تعتمد على الروبوتات لتخزين وتوزيع الأسمدة بكفاءة، مما خفض زمن التسليم بنسبة 50%.

وفي مواجهة أزمة الطاقة، حوّلت الشركة مصانعها إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما خفض انبعاثات الكربون بنسبة 35% وقلل التكاليف التشغيلية بشكل كبير. هذه الإجراءات لم تُعزز فقط من كفاءة الشركة، بل وضعتها في صدارة الشركات العالمية الملتزمة بأهداف التنمية المستدامة.

الاستدامة.. إرث بيئي يُبنى خطوة بخطوة

لا تُقاس استدامة سابك بشعاراتها التسويقية، بل بأرقام ملموسة تعكس التزامها العميق بالبيئة. فاليوم، تُغطي الطاقة المتجددة 50% من احتياجات مصانعها، فيما تُعاد تدوير 80% من مياه الصرف الصحي في عمليات التصنيع، مما يجعلها نموذجًا للصناعة الخضراء. كما حققت الشركة إنجازًا فريدًا بتحويل 100% من نفاياتها الصناعية إلى منتجات ثانوية مثل الأسمدة العضوية، مما يضعها في مصاف الشركات القليلة التي تحقق مفهوم “الصفر نفايات”.

رؤية 2030.. ماذا يخبئ المستقبل للعالم؟

تتطلع سابك إلى المستقبل بخطى ثابتة، حيث أعلنت عن خطة طموحة لتصبح رائدة الزراعة المستدامة عالميًّا بحلول 2030. تشمل هذه الخطة بناء مصانع جديدة تعمل بالهيدروجين الأخضر، وتطوير أسمدة مبتكرة تعتمد على مياه البحر المالحة، وإنشاء مشاتل ذكية في الصحاري تستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لمراقبة نمو المحاصيل.

ولعل أكثر المشاريع إثارةً هو “مشروع الواحات الاصطناعية”، الذي يهدف إلى تحويل الصحاري القاحلة إلى مزارع منتجة عبر استخدام أسمدة خاصة تستخلص الرطوبة من الهواء، مما قد يُحدث ثورة في مفهوم الزراعة في المناطق الجافة.

شركة سابك للمغذيات الزراعية.. دروس في صناعة الأمل من أرض التحدي

في عالم تتصارع فيه الحلول السريعة مع الحاجة الملحة للاستدامة، تقدم سابك للمغذيات الزراعية نموذجًا فريدًا يجيب على سؤال: كيف نطعم العالم دون أن نأكل الكوكب؟ الجواب يكمن في رؤيتها التي ترفع شعار “الزراعة مسؤولية قبل أن تكون صناعة”، وفي إصرارها على أن الابتكار التكنولوجي يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع العدالة الاجتماعية.

اقرأ أيضًا.. المكرمة الملكية لمستفيدي الضمان.. دعم كريم للأسر السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *