تُراث وفنون

اللغات النيلية الصحراوية.. من عائلات اللغات الأفريقية

محمد أحمد كيلاني 

اللغات النيلية الصحراوية هي عائلة كبيرة من اللغات الأفريقية التي يتم التحدث بها في وسط شرق إفريقيا، وبشكل رئيسي في منطقة الساحل وأعالي النيل (السودان) وأحواض نهر شاري (تشاد)، وتم وصياغة الإسم من قبل اللغوي “جوزيف غرينبيرغ” في عام 1963.

وبين المجموعات الفرعية يمكننا أن نجد فيها اختلافات مهمة، فلنتعرف بشكل أوسع على تلك اللغات.

المنطقة والتقسيم

لا تزال هذه العائلة من اللغات تحتل نفس المنطقة التي كانت تحتلها قبل 10 آلاف عام، وتضم حوالي 140 لغة مقسمة إلى عدة فروع، وعدد قليل من لغات هذه العائلة يصل إلى مليون متحدث، والعديد منها لم يتم دراسته من قِبل العلماء.

ُتغطي المنطقة التي تحتلها هذه اللغات من مالي في الغرب إلى مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا في الشرق، وهي في بعض الأحيان تُعتبر كجُزر لغوية محاطة باللغات الأفروآسيوية.

عدد المتحدثين باللغات النيلية الصحراوية

في عام 1987، كان هناك حوالي 11 مليون شخص يتحدثون اللغات النيلية الصحراوية، ووفقًا لتقديرات “ميريت روهلين” في عام 2004 فقد بلغ عدد المُتحدثون ما يقارب 31 مليون، والعدد الدقيق للغات النيلية الصحراوية غير معروف بدقة حتى الآن.

يبلغ إجمالي عدد المتحدثين باللغات النيلية الصحراوية وفقًا “لإثنولوج” ما بين 38 و 39 مليون شخص، ومع ذلك، فإن تلك البيانات كانت احصائيات بين أعوام 1980 و 2005، وبالنظر إلى معدلات النمو السكاني، يمكن أن يفوق عدد المُتحدثين في وقتنا الحالي 60 مليون شخص.

اللغات الرئيسية

توجد ضمن اللغات النيلية تلك عدة لغات رئيسية تحتوي على أكثر من مليون متحدث، ونستعرض لكم منها:

  • لغة اللو، ويتحدث بها ما يُقارب 4.4 مليون في كينيا وتنزانيا.
  • اللغة الكانورية، ويتحدث بها 4 مليون شخص، والمتحدثين بها من المجموعة العرقية الرئيسية حول بحيرة تشاد.
  • لغات السونغاي، ويبلغ عدد الناطقين بها 3.2 مليون شخص، وتنتشر على طول نهر النيجر في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وفي جميع أنحاء إمبراطورية سونغاي التاريخية، بما في ذلك عاصمتها السابقة غاو ومدينة تمبكتو الشهيرة.
  • اللغة النوبية، ويتخطى عدد متحدثيها 1.7 مليون، وهي تمتد اليوم من جنوب مصر إلى شمال السودان، كما هاجر العديد من النوبيين شمالاً إلى القاهرة منذ بناء السد العالي في أسوان.
  • لغة لوغبارا، وعدد ناطقيها يقارب 2.2 مليون شخص، وهي اللغة الرئيسية في وسط السودان، أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
  • لغات ناندي-ماركويتا، ويتحدث بها 1.6 مليون شخص في الوادي المتصدع الكيني، ومنطقة كابشوروا في أوغندا.
  • لغة لانغو، ويتجاوز عدد المُتقنين لها 1.5 مليون نسمة، وهي إحدى اللغات الرئيسية في أوغندا.
  • اللغة الدينكاوية، ويتحدث بها 1.4 مليون شخص من قبيلة الدينكا، وهي المجموعة العرقية الرئيسية في جنوب السودان.
  • لغة أتشولي، وعدد متحدثيها 1.2 مليون شخص، وهي لغة أخرى تتواجد في أوغندا والسودان.
  • لغة النوير، وهي لغة يتحدث بها أكثر 1.1 مليون شخص في جنوب السودان وإثيوبيا.
  • لغة الماساي، ويتحدث بها مليون شخص من “شعب الماساي” في كينيا وتنزانيا، أحد أكثر الشعوب الأفريقية شهرة عالميًا.

يعتبر بعض اللغويين، بما في ذلك روجر بلانش، أن لغات كادو جزء من هذه العائلة، بينما يصنفها آخرون، بما في ذلك غرينبيرغ، على أنها لغات كوردوفانية.

تاريخ التعرف باللغات النيلية الصحراوية

تم اكتشاف عائلة اللغات النيلية الصحراوية، التي تضمنت في البداية اللغة الكانورية، ولغة كانمبو، والتبو والزغاوة، من قبل المُستكشف الألماني “هاينريش بارث” في عام 1853، وفي اكتشاف بعض اللغات النيلية الأخرى يعود الفضل إلى عالم المصريات “كارل ريتشارد ليبسيوس” في عام 1880، ومختلف اللغات المُتواجدة في السودان تم اكتشافها بواسطة “فريدريك مولر” في عام 1889.

وعائلة لغات مابان تم التعرف عليها من قِبل “موريس جودفروي ديمومبينيس” المُستشرق والأستاذ الجامعي الفرنسي في عام 1907، وجاءت الإشارات الأولى لعائلة أكبر في عام 1912، عندما ضم اللغوي الألماني “ديدريش ويسترمان” ثلاثًا من لغات السودان الوسطى داخل مجموعة اللغات النيلية، وفي عام 1935 تمت إضافة لغة مورلي بواسطة “ويسترمان”، وتوالت المساهمات والاضافات من قِبل جوزيف غرينبيرغ حتى عام 1963، بعد ان جعل جميع اللغات المُكتشفة تلك، تحت مجموعة واحدة وأطلق عليها اللغات النيلية الصحراوية.

” ويُعتبر أول عمل فردي مخصص لمقارنة هذه اللغات هو عمل “ثيلو شاديبيرج” عام 1981.

عدم التشابة بين اللغات الصحراوية

اللغات النيلية الصحراوية ككل بعيدة جدًا عن بعضها البعض، فهي واحدة من أكثر مجموعات اللغات تنوعًا، ويجب القول أنه من الصعب إعادة بناء السمات المشتركة أو إيجاد عوامل مُتشابهة بين اللغات، بل إن بعض المؤلفين يشككون في أن اللغات النيلية الصحراوية تُشكل وحدة مع بعضها البعض، ولذلك يقسمون هذه اللغات إلى عدة عائلات يمكن من خلالها إثبات العلاقة بسهولة أكبر.

ومع ذلك، فقد تم إنشاء علاقات جزئية على المستوى اللوني، وتناغم حروف العلة وترتيب الجملة والتشكل والاقتران والجنس والعدد.

ونظرًا للتشتت الجغرافي الواسع، فقد تطور تنوع كبير بين هذه اللغات بسبب تأثير اللغات المجاورة مثل الأفروآسيوية.

طريقة الكتابة

إذا اعتبرنا اللغة المرَّوية القديمة (وهي أبجدية مصرية) القديمة لغة نيلية صحراوية، فسيكون ممثل هذه العائلة هو استخدام نظام الكتابة الهيروغليفي المصري، ومن ناحية أخرى فقد استخدمت اللغة النوبية أبجديتها الخاصة، بعد أن استندت على اللغة القبطية كأساس لها، وفيما يتعلق باللغات الحالية، هناك العديد من اللغات التي لم يتم تدوينها وتلك التي تم استخدام الأبجدية العربية أو تعديلات من اللغة الرومانية.

القواعد

على الرغم من أن اللغات النيلية نغمية ومعظم جُملها تتكون من الفعل والفاعل والمفعول به، إلا أن بعض اللغات مثل ‘التوركانا والكوناما” لها أشكال معقدة للغاية، وإذا أردت أن تُقارن هذه اللغات نحويًا ستجد الكثير من العقبات ومنها تلك التي تتمثل في الكم الهائل من البيانات المتاحة في مختلف اللغات التي تم دراسة بعضها مثل التوركانا والنوبية، والتي لم يتم دراستها نثل الداجو، والتاما، وما إلى ذلك.

بطبيعة الحال، فالعديد من اللغات النيلية الصحراوية لها طبيعة مورفولوجية تراصية وتصريفية، وفي العديد من لغات هذه العائلة، يتم التعبير عن العلاقات النحوية عن طريق اللواحق الاسمية، وهو شيء مشابه تمامًا لحالات اللغات اللاتينية، وهو نظام مختلف تمامًا عن أي عائلة أخرى من اللغات الأفريقية، ويتم التعبير عن هذه العلاقات من خلال تغيير صوتي معقد للغاية، يحدث في حروف العلة الداخلية، والذي يُمثل صعوبة كبيرة لأولئك الذين يحاولون تعلم أي من هذه اللغات.

في الأخير فاللغات النيلية الصحراوية تُمثل الآن أسره من أشهر أسر اللغات شهرة في العالم على الرغم من الاختلاف الكبير فيما بينها.

أقرأ أيضاً.. اللغات الليتورجية.. اللغات المُقدسة للأديان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *