رُكن مقالات مُستبشر

الثورة في علم النفس الحديث.. ظهور السلوكية وتحدي الفكر التقليدي

محمد أحمد كيلاني 

في أوائل القرن العشرين، كانت علم النفس على مفترق طرق، وحتى ذلك الوقت، كان هذا العلم يعتمد بشكل أساسي على الاستبطان، وهو أسلوب يعتمد على التأمل الذاتي للتفكير والمشاعر، ومع ذلك، بدأ العديد من علماء النفس في التشكيك في صحة هذا النهج، باعتباره مجرد فكرة تجريدية يصعب قياسها بشكل علمي، وهنا ظهرت السلوكية كمدرسة جديدة في التفكير، تدعو لدراسة السلوك الملاحظ كأساس لعلم النفس العلمي الحديث.

علم النفس الحديث.. جون واتسون الأب المؤسس للسلوكية

جون بي. واتسون، عالم النفس الأمريكي، أصبح الشخصية البارزة في هذه المدرسة الفكرية الجديدة. وقد روج لفكرة راديكالية مفادها أن السلوك البشري يمكن التحكم فيه وتشكيله من خلال التكييف، إلى درجة أنه يمكن تدريب أي شخص على أي شيء.

وقد استفاد واتسون من أعمال إدوارد ثورندايك والتكييف الكلاسيكي لإيفان بافلوف، ليقدم نهجًا أكثر منهجية لدراسة السلوك البشري.

تجربة الطفل “ألبرت”.. التكييف العاطفي تحت المجهر

أحد أكثر تجارب واتسون شهرة وإثارة للجدل كانت تجربة “الطفل ألبرت“، وأراد واتسون وزميلته روزالي راينر إثبات أن العواطف الإنسانية يمكن أن تكون مشروطة تمامًا كما هو الحال مع السلوكيات الجسدية، وفي هذه التجربة، أخذوا طفلاً يبلغ من العمر تسعة أشهر وبدأوا في تعليمه الخوف من فأر أبيض، وفي البداية، لم يظهر ألبرت أي رد فعل سلبي تجاه الفأر، ولكن مع ربط ظهور الفأر بضوضاء معدنية عالية، بدأ الطفل يشعر بالخوف بمجرد رؤية الفأر.

  • التكييف العاطفي: واتسون وراينر أثبتا من خلال هذه التجربة أن العواطف، مثل الخوف، ليست بالضرورة فطرية، بل يمكن تشكيلها من خلال المؤثرات الخارجية.
  • التعميم: ألبرت بدأ أيضًا بالخوف من أشياء أخرى تشبه الفأر، مما يثبت أن الخوف يمكن أن يمتد ليشمل مواقف أو أشياء أخرى مشابهة.

النقاش الأخلاقي.. التجربة وتبعاتها

رغم أن تجربة “ألبرت” كانت رائدة في دراسة السلوك الإنساني، إلا أنها أثارت الكثير من الانتقادات الأخلاقية. فاليوم تُعتبر مثالًا على الممارسات التجريبية غير الأخلاقية، حيث تم التلاعب بعواطف طفل دون موافقته أو موافقة والدته.

ولم تُبذل أي جهود لعكس التأثيرات السلبية للتجربة، وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن هذه التجربة كانت تُعتبر في ذلك الوقت امتدادًا طبيعيًا لدراسات التكييف التي أجريت على الحيوانات، وبالنسبة لواتسون، كان الفارق بين البشر والحيوانات طفيفًا؛ فكلاهما يستجيب للمؤثرات البيئية بطرق يمكن التنبؤ بها والسيطرة عليها.

تأثير واتسون على علم النفس الحديث

رغم نجاح واتسون المبكر، إلا أن مسيرته الأكاديمية انتهت فجأة بسبب فضيحة شخصية، لكنه لم يبتعد عن الحياة العامة، ةبل وجد طريقًا جديدًا في عالم الإعلانات، حيث طبق معرفته بسلوك الإنسان لتصميم حملات إعلانية فعالة.

وسرعان ما أصبحت كتبه حول تربية الأطفال من أكثر الكتب مبيعًا في العشرينات، رغم انتقاداتها لاحقًا بأنها كانت تروج لتربية خالية من المشاعر، مما أثر سلبًا على الأسرة نفسها، وفقًا لما ذكرته حفيدته الممثلة مارييت هارتلي في سيرتها الذاتية.

وفي نهاية المطاف، استُبدلت أفكار واتسون حول تربية الأطفال بنهج أكثر توازنًا يرتكز على التعاطف.

أقرأ أيضاً.. “الإنسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *