إيمان محمود خليفة
النابغة مريم الاسطرلابي هي عالمة فلك مسلمة، عاشت في القرن العاشر خلال العصر العباسي بمدينة حلب شمالي سوريا، وقد عملت ببراعة داخل بلاط “سيف الدولة الحمداني” في مجال الفلك وذلك عام 944 ميلاديًا ولمدة 23 عامًا حتى عام 967 ميلاديًا، وكان والدها يُدعى “كوشيار الجيلي” نابغة عصره والذي كان ملهمًا وأستاذًا لها.
نشأة مريم الاسطرلابي
تتلمذت مريم الاسطرلابي على يد والدها كوشيار الجيلي، وهو واحد من أهم علماء الفلك في ذلك الوقت كما ذكرنا، حيث استطاع شرح العديد من الجداول الفلكية، ووضع قوانين لحركة الكواكب، وبرع أيضًا في صناعة الآلات الفلكية، ومن أهم مؤلفاته “مجمل الأصول في أحكام النجوم”، و”المدخل في صناعة أحكام النجوم”، و”الزيج الجامع والبالغ “، و”رسالة دلالات الكواكب” وغيرها من المؤلفات التي ساهمت في خلق جيل جديد من علماء الرياضيات والفلك.
سبب تسمية مريم الاسطرلابي بهذا الاسم
سُميت مريم الاسطرلابي بهذا الاسم نسبة إلى “الأسطرلاب المعقد” الذي اخترعته وطورته بنفسها خلال العصر الذهبي للعلوم الإسلامية، وقد أطلق عليه العرب قديمًا اسم جهاز “ذات الصفائح” وهو عبارة عن نموذج ثنائي الأبعاد للقبة السماوية وتظهر عليه صورة السماء في مكان محدد وعند وقت محدد لتسهيل إيجاد المواقع عليه، فهو آلة معقدة من عدة صفائح معدنية مثقبة لمراقبة وتحديد مواقع النجوم.
ويُعد الأسطرلاب المعقد هو النواة الأولى للعديد من الاختراعات في عصرنا الحالي مثل البوصلة والأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي(GPS) “Global Positioning System”.
أصل الأسطرلاب وتطوره
الأسطرلاب هو كلمة يونانية تعني مرآة النجم ومقياسه أو ميزان الشمس، وعلى الرغم من أن نظرية الإسقاط الخاصة بالأسطرلاب ظهرت في العصر اليوناني عام 225 قبل الميلاد، إلا أن أول ظهور للأسطرلاب كان في القرن السابع الميلادي، لكنه كان بدائي مقارنة بالأسطرلاب الذي صنعته مريم الاسطرلابي بشكل متقن وبراعة عالية.
فقد رسمت القبة المنظورة على وجه الأسطرلاب المسطح بطريقة حسابية دقيقة وهي نفس الطريقة التي استخدمت في رسم خريطة العالم على مساحة مسطحة، وتسمح هذه الطريقة بتحول الدوائر من الأشكال الكروية إلى الأشكال المسطحة دون حدوث أي تغيير للقيمة الحقيقية للزاوية المرسومة بين خطين على الشكل الكروي.
أهمية اختراع مريم الاسطرلابي
ساهم اختراع الأسطرلاب المعقد الذي طورته مريم الاسطرلابي في حل الكثير من المسائل الفلكية، وقد كان علماء الفلك والأغنياء في هذا الوقت يحملون الأسطرلاب كساعات في جيوبهم لتحديد الوقت أثناء الليل والنهار.
وتواجدت أيضًا أنواع ضخمة منه يصل قطرها إلى عدة أمتار، ومن أهم استخدامات الأسطرلاب ما يلي:
المساهمة في تحديد اتجاه القبلة
بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية، كان من الصعب معرفة اتجاه القبلة بدقة، ولذلك كان لابتكار مريم الاسطرلابي دورًا حيويًا في مساعدة المسلمين في ضبط اتجاه القبلة بدقة عن طريق الأسطرلاب المعقد.
معرفة مواعيد المناسبات
ساهم الأسطرلاب في أمور عديدة ذات أهمية كبيرة للمسلمين، كتحديد مواقيت الصلاة، ومعرفة أشهر الحج، ومعرفة أوقات الزكاة، وتحديد مواعيد بداية ونهاية الشهور العربية، وخاصة شهر رمضان الذي يحتاج لدقة كبيرة لمعرفة بداية ونهاية الصيام، وكذلك في تحديد كافة المناسبات الدينية أيضًا.
تحديد أوقات الليل والنهار بدقة
ساعد الأسطرلاب في تحديد أوقات الليل والنهار، كما أنه من الأجهزة المستخدمة لرصد المسافات بين الكواكب وتحديد المواقع الخاصة بها، ولقياس ارتفاع الشمس والنجوم وحل العديد من المسائل المتعلقة بعلم الفلك وتحديد الاتجاهات المتنوعة، وساعد أيضًا في تحديد فصول السنة.
مساعدة الملاحة البحرية
تم استخدام الأسطرلاب في الملاحة البحرية لقياس خطوط العرض للسفن وذلك حتى القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تم اكتشاف آلات الرصد والتلسكوب في “القارة الأوروبية”.
وفي النهاية، بالرغم من قلة المعلومات عن حياة مريم الاسطرلابي، إلا أن إسهاماتها العظيمة في مجال العلوم الفلكية والرياضيات شكلت حلقة مهمة في سلسلة تطور علوم الفلك والفضاء، وأثرت في تقدم الحضارة البشرية بشكل كبير حتى وقتنا الحاضر، واستطاعت بنبوغها وبراعتها أن تترك بصمتها في مجال العلم باختراعها الأسطرلاب المعقد الذي مكنها من حفر اسمها بحروف من ذهب في التاريخ.
اقرأ أيضًا.. من هو أول عالم في التاريخ وكيف بدأ هذا المصطلح؟