تُراث وفنون

شكل المنازل في روما القديمة.. للأغنياء والفقراء!

محمد أحمد كيلاني 

في الحياة اليومية في روما القديمة، كانت “منازل الدوموس” أكثر بكثير من مجرد ملاجئ لسكانها؛  فلقد كانوا مراكز حقيقية للحياة اليومية، ولم تكن هذه الهياكل بمثابة منازل عائلية فحسب، بل كانت بمثابة أماكن عمل ومراكز عبادة ومساحات اجتماعية أيضًا، وعلى غرار المنازل الحديثة التي تجمع بين مناطق العمل والترفيه تحت سقف واحد، يعكس البيت الروماني مزيجًا من الوظائف التي سلطت الضوء على أهميتها في المجتمع الروماني، زيستكشف هذا المقال العلاقة المعقدة بين الهندسة المعمارية والحياة اليومية وشكب المنازل في روما، ويكشف كيف شكلت هذه المساكن القديمة الحضارة.

المنازل في روما.. من الكبائن إلى القصور

يعكس تطور الإسكان في روما رحلة معمارية من أصول متواضعة إلى تطوير المساكن المتطورة، ففي البداية، عاش الرومان الأوائل في “كاساي”، وهي أكواخ بسيطة مستديرة ذات أسقف مخروطية من القش، تم بناؤها لتلبية الاحتياجات الأساسية للحماية والمأوى.  

ومع توسع روما في آفاقها، اتصلت بالثقافات المتقدمة، وخاصة اليونانية، وأدى هذا التأثير الهيليني إلى إحداث تغيير عميق في التصميم السكني الروماني، حيث قدم مفهوم الدوموس.

وكانت هذه المنازل ذات الأسرة الواحدة أكثر اتساعًا وتنظيمًا، فقد كان لديهم تصميم يتمحور حول الردهة، وهي المساحة التي كانت بمثابة القلب المشرق والاجتماعي للمنزل، ويعكس اعتماد الأعمدة والفسيفساء واللوحات الجدارية التفصيلية كيف تم تكييف الجماليات اليونانية وتحويلها من خلال منظور الهوية والوظيفة الرومانية، مما يمثل علامة فارقة في مفهوم المنزل الذي استمر عبر القرون.

أجزاء من “الدوموس”

كان البيت الروماني، بتصميمه المخطط بدقة، مظهرًا للمكانة والقوة والنظام الاجتماعي في روما القديمة، وتميزت هذه المنازل ذات الأسرة الواحدة بميزاتها المعمارية المميزة التي لم تخدم الوظائف العملية فحسب، بل أيضًا الاجتماعية والرمزية.

والمنطقة التي تشكل الدوموس هي الردهة، وهي قاعة مركزية واسعة مفتوحة على سطحها للسماح بدخول الضوء وتجميع مياه الأمطار في حوض السباحة الموجود في المركز، وأدى هذا التصميم إلى تحسين الإضاءة والتهوية، وكان بمثابة بوابة رمزية تربط العالم الخارجي بالداخل الخاص، وكان الردهة أيضًا مسرحًا للأنشطة الاجتماعية والطقوسية المهمة، بما في ذلك التحية الصباحية، حيث يستقبل الراعي عملائه.

وبجوار الردهة كانت توجد غرفة الطعام، حيث تقام المآدب، وهو يعكس التقليد الروماني المتمثل في تناول الطعام متكئًا، وهي ممارسة مستوردة من اليونان تركز على الترفيه والنقاش بين رواد المطعم.

شكل المنازل في روما

وكانت الحديقة، التي تقع عادةً خلف المنزل، توفر ملاذًا هادئًا بعيدًا عن صخب المدينة، واستكملت هذه المساحة جماليات البيت، وكانت بمثابة مكان للراحة والتأمل، مما يعزز الارتباط بالطبيعة.

وتفاصيل مثل “كهف كانيم”، وهي فسيفساء توجد عادة عند المدخل، لا تحذر الزوار من وجود كلب حراسة فحسب، بل ترمز أيضًا إلى الحماية والمراقبة، مما يؤكد أهمية الأمن والخصوصية في المنزل الروماني.

وتم تصميم كل عنصر من عناصر المنزل ليعكس ويعزز التسلسل الهرمي والوظائف الاجتماعية لسكانه، مما يحول هذه المنازل إلى رموز حقيقية للعالم الروماني.

الحياة المنزلية في روما القديمة

داخل أسوار البيت الروماني، كانت الحياة تعج بمزيج من الأنشطة العائلية والاجتماعية والتجارية، وكانت “التابلينوم”، الواقعة بين الردهة والمدخل، بمثابة مكتب يدير فيه رب الأسرة شؤونه المالية والتجارية، ويستقبل عملائه في طقوس تحية الصباح.  

وكانت هذه المساحة هي المركز الإداري للمنزل، وهنا تم اتخاذ القرارات التي أثرت على الأسرة ومعاليهم العديدين.

وكانت التريكلينيوم، من جانبها، مركز الحياة الاجتماعية للمنزل، فقد أقيمت هنا الولائم والأحداث المليئة بالمعنى الاجتماعي والسياسي، في هذه الولائم، وكان الضيوف يسترخون ويستمتعون بالمأكولات الشهية بينما يناقشون كل شيء من السياسة إلى الأدب، في جو معطر بالبخور ومزين بلوحات جدارية نابضة بالحياة تحكي الأساطير أو مشاهد الحياة اليومية.

كما كانت الحياة الأسرية مريحة في الحرتس، حيث كان الأطفال يلعبون بين النباتات والنوافير، وكان بإمكان نساء الأسرة تكريس أنفسهن لأعمال النسيج أو الإشراف على الخدم، مع الحفاظ على النظام والأناقة التي ميزت البيت الروماني.

المنازل في روما. سكن للفقراء

في تناقض صارخ مع ثراء الدوموس، كانت العزلات تؤوي الرومان الأقل ثراءً، وكانت هذه المباني متعددة الأسر، وقد تم بناؤها في كثير من الأحيان بمواد منخفضة الجودة وتصميمات ضيقة، تفتقر إلى رفاهية الفيلات الحضرية.  

وكانت المناطق العازلة في كثير من الأحيان مكتظة وتفتقر إلى المرافق الأساسية مثل المياه الجارية وأنظمة التدفئة، وهي الظروف التي أدت إلى تفاقم مخاطر الحرائق والأمراض.  

وبينما كان الأغنياء يتمتعون بمساحات كبيرة ومزخرفة، عاش سكان الجزر في شقق صغيرة، غالبًا ما تكون مظلمة ورطبة، وهو واقع حضري يدل على الفجوة الاجتماعية العميقة في روما القديمة.

ويعكس البيت الروماني البراعة المعمارية لروما القديمة ويقدم لنا مرآة للماضي، ويكشف عن حقائق مجتمعها، وإن البقايا الأثرية لهذه المنازل، من الفيلات الفاخرة إلى المنازل المتواضعة، هي نوافذ على الاختلافات الاجتماعية وأنماط الحياة لإمبراطورية لا تزال تؤثر على تصميمنا الحضري والمعماري.  

ومن خلال زيارة هذه المواقع أو دراسة هياكلها، فإننا لا نحافظ على الذاكرة التاريخية فحسب، بل نواصل أيضًا التعلم وإيجاد الإلهام في دروس الماضي البعيد.

أقرأ أيضاً..  قاذفو البليار.. “مرتزقة” في خدمة روما وقرطاج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *