
شهدت هونغ كونغ خلال الأيام الأخيرة واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخها الحديث، وذلك عقب اندلاع حريق هونغ كونغ في مجمّع سكني ضخم بمنطقة تاي بو، وهو الحريق الذي تحول خلال ساعات قليلة إلى كارثة إنسانية خلّفت عشرات الضحايا والمفقودين، وأثارت أزمة واسعة حول إجراءات السلامة في الأبراج السكنية وأعمال التجديد الجارية فيها. وعلى الرغم من سرعة استجابة فرق الطوارئ، فإن الحريق انتشر بمعدل غير مسبوق، الأمر الذي جعل السيطرة عليه أكثر تعقيدًا، خاصة مع وجود مواد قابلة للاشتعال ضمن تجهيزات المبنى الخارجية.
البداية المفاجئة لحريق هونغ كونغ وتحوله إلى كارثة واسعة
بدأت النيران في أحد أبراج المجمع السكني خلال فترة ما بعد الظهيرة، عندما ورد أول بلاغ لفرق الإطفاء. ومع وصول الطواقم التقنية والإنقاذية بدا المشهد أكثر خطورة مما توقعه الجميع، إذ امتدت النيران إلى الأدوار العليا بسرعة كبيرة بفعل الرياح ومواد البناء المستخدمة في السقالات الخارجية. وأكد شهود عيان أن اللهب كان يتصاعد بطريقة عمودية وسريعة، ما أثار حالة من الذعر بين السكان الذين حاولوا الهروب عبر السلالم ومخارج الطوارئ. ومع توسع الحريق إلى عدة مبانٍ مجاورة داخل المجمع، دخلت فرق الإطفاء في سباق مع الوقت، حيث استمرت عمليات مواجهة النيران لساعات طويلة وسط ظروف صعبة وكثافة دخان خانقة.
ضحايا ومفقودون… حصيلة مأساوية تهز المدينة
ارتفعت حصيلة حريق هونغ كونغ بشكل متسارع مع الساعات الأولى، ومع توسّع عمليات البحث والإنقاذ تم الإعلان عن أعداد كبيرة من الضحايا إضافة إلى مصابين في حالات متفاوتة. وقد واجهت الفرق صعوبة في الوصول إلى بعض الشقق بسبب انهيار أجزاء من السقالات وتضرر ممرات الطوارئ. ويؤكد خبراء أن ارتفاع عدد الضحايا مرتبط بغياب الإنذار المبكر، إذ أشار عدد من السكان إلى أن أنظمة التحذير داخل المبنى لم تعمل بالشكل المطلوب، ما جعل كثيرين يكتشفون وجود الحريق بعد فوات الأوان، بينما لجأ آخرون إلى الاحتماء داخل شققهم بانتظار فرق الإنقاذ.
حريق هونغ كونغ..اتهامات تطال شركات التجديد وإهمال يُثير الغضب
مع اتساع أبعاد الحادث بدأت السلطات التحقيق في أسباب الحريق، حيث برزت شكوك قوية حول عوامل إهمال متعلقة بأعمال التجديد داخل الأبراج. فقد أشارت التحقيقات الأولية إلى استخدام سقالات خشبية ومواد تغليف بلاستيكية قابلة للاشتعال، وهي مواد من المفترض استبدالها بمواد أكثر أمانًا وفق المعايير الحديثة. كما أوضح بعض العمال الذين تواجدوا في الموقع أن أعمال التدخين بالقرب من السقالات قد تكون أحد الأسباب المحتملة لاندلاع الشرارة الأولى، وهو ما دفع الشرطة إلى فتح تحقيق موسع واستجواب المقاولين والمسؤولين التنفيذيين عن أعمال التطوير. هذا الجانب تحديدًا أشعل موجة غضب شعبية واسعة، حيث رأى سكان المنطقة أن الحادث كان يمكن تفاديه بسهولة لو التزم القائمون على المشروع بإجراءات السلامة الصارمة.
حريق هونغ كونغ.. استجابة حكومية واسعة وحداد رسمي في المدينة
أعلنت حكومة هونغ كونغ حالة حداد رسمي لعدة أيام تعبيرًا عن التضامن مع أهالي الضحايا، كما تم توجيه تعليمات عاجلة لكل الإدارات المختصة بتوفير مأوى مؤقت للسكان الذين فقدوا منازلهم. وبدأت الحكومة بإجراء مراجعة شاملة لقوانين السلامة المتعلقة بالبناء وأعمال الترميم، خاصة في الأبراج المرتفعة التي تضم آلاف السكان. وتشير المؤشرات الأولية إلى توجه رسمي نحو منع استخدام السقالات الخشبية التقليدية مستقبلاً واستبدالها بسقالات معدنية أكثر أمانًا، إضافة إلى تعزيز أنظمة الإنذار داخل المباني وإجراء اختبارات دورية لها.
تأثير الحادث على سكان المجمع وذكريات لا تُنسى
لم يكن حريق هونغ كونغ مجرد حادث عرضي بالنسبة للسكان، بل تجربة صادمة عاشوا تفاصيلها لحظة بلحظة. فقد تحدث العديد منهم عن حالة الهلع التي انتشرت داخل الأبراج، وصعوبة التنفس بسبب الدخان الكثيف، وازدحام الممرات أثناء محاولات الهروب. وعبّر الكثير من الأهالي عن شعورهم بأنهم تُركوا دون حماية كافية، مطالبين بتحرك جاد يعيد الثقة في منظومة السلامة داخل المباني السكنية. كما وصف بعضهم الساعات الأولى بأنها كانت “جحيمًا مفتوحًا”، في ظل ألسنة اللهب التي اجتاحت الواجهات بسرعة غير مألوفة.
ما الذي ينتظر هونغ كونغ بعد هذه المأساة؟
من المتوقع أن يكون حريق هونغ كونغ نقطة تحول كبيرة في سياسات البناء والسلامة داخل المدينة. فالضغوط الشعبية والإعلامية تتزايد على الجهات التنفيذية لتطبيق إصلاحات واسعة تشمل تشديد الرقابة على المقاولين، ومراجعة إجراءات منح تراخيص التجديد، وإلزام الشركات باستخدام مواد مقاومة للحريق في كل مراحل البناء. ويرى خبراء أن هذه الكارثة قد تدفع السلطات لتبني قوانين أكثر صرامة شبيهة بما تطبقه بعض الدول المتقدمة، خصوصًا في المدن المكتظة ذات الأبراج المرتفعة.
دروس المستقبل
يبقى حريق هونغ كونغ حدثًا مؤلمًا ترك جراحًا عميقة في قلب المدينة، لكنه في الوقت نفسه يحمل رسالة واضحة: أن إهمال معايير السلامة لا يهدد المباني فقط بل يهدد الأرواح. وبينما تتواصل عمليات التحقيق والبحث، يبقى الأمل الأكبر أن تتحول هذه المأساة إلى منعطف حقيقي يضمن أن لا تتكرر مثل هذه الكوارث، وأن تُمنح حياة السكان الأولوية القصوى فوق أي اعتبارات أخرى.
اقرأ أيضًا.. سوق جدة الدولي.. حريق يهدد معلمًا تاريخيًّا عمره نص قرن




