شخصيات

غسان كنفاني.. رمز الأدب المقاوم وقلم الأمل “شعبًا في رجل”

سـارة إيهاب

كاتبًا وصحفيًا، روائيًا ومناضلًا، فنانًا ومُبدع، أثبت للعالم كله بشكل عام وللمجتمع العربي والفلسطيني بشكل خاص أن القلم والأدب يمكن أن يُصبحا أداة من أدوات التغيير، بأسلوبه الأدبي الخاص والفريد، نقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم أجمع، فقد كان لهم رمزًا للأمل والمثابرة والإصرار ،لم يكن كاتبًا أو صحفيًا فحسب بل واحدًا من ضمن الأبطال الذين حملوا قضية الشعب على عاتقهم، موقع”مستبشر” يبحر معكن في أعماق شخصية “غسان كنفاني”.



نشأة وسيرة غسان كنفاني

غسان كنفاني، مناضل، صحفي وروائي، وُلِد في التاسع من إبريل في عام 1936 من الميلاد في مدينة عكا الفلسطينية، وعاش في يافا حتي عام 1948 مما ترك أثرًا كبيرًا على رؤيته للأمور، وتشكيل آراءه منذ صغر سنه وزاده تمسكًا بوطنه الذي بالنسبة إليه كما يقول “جذورًا يصعب اقتلاعها”


لجأ مع عائلته إلي لبنان، ثم سوريا، وعمل في دمشق، ثم سافر إلي الكويت، حيث بدأ العمل هناك بشكل مكثف، وبعد ذلك انتقل إلي بيروت وظل مناضلًا حتي اغتيل مع ابنة شقيقته يوم الثامن من يوليو في عام 1972 من الميلاد، وقد أغتيل بعبوات ناسفة، وشهدت منطقة الحازمية هذه الحادثة قرب العاصمة اللبنانية بيروت ليترك وراءه إرثًا وزخرًا كبيرًا من العمل الأدبي والصحافة.


تعتبر سيرته واحدة من أكثر القصص تأثيرًا في الأدب العربي والفلسطيني، والتي تعبر عن قدرة القلم، وصمود الكلمة، والنضال بالفكر رغم محاولات الطمس، فقد
كانت حياته مليئةً بالكفاح والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي واعتقل مرارًا بإيعاز من الوكالة اليهودية، واستخدم قلمه وفكره لفضح الانتهاكات وتعزيز القضية الفلسطينية على المستوى العربي والدولي.


أصبح غسان كنفاني من أبرز الشخصيات الأدبية والسياسية في العالم العربي، كما أنه درس الأدب العبري وأبحر في ثقافة الأعداء، وترجمت كتاباته إلي كل لغات الكون، وكانت معظم أعماله ومواهبه الأدبية كتبت في إطار قضية فلسطين وشعبها، لكن أسلوبه الفريد والخاص أعطي هذه الكتابات التميز وأحيطت بجاذبية عالمية شاملة .


كان كنفاني بمثابة الناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان له أثر كبير في تشكيل وتوجيه الرأي العام الفلسطيني والعربي حول القضية، وعمل غسان في مجلة “الحرية” وأصبح مسؤولًا عن قسم الثقافة فيها، كما أصدر ملحق فلسطين في جريدة “المحرر” اللبنانية بعد أن أصبح رئيس التحرير فيها، وترأس تحرير مجلة “الهدف” التي أسسها ناطقة باسم الجبهة الشعبية للتحرير.


لم يكن غسان صحفيًا أو مناضلًا فقط بل كان أيضًا رسامًا وفنانًا دمج بين الفن والكفاح السياسي، ساهم من خلال رسوماته الفنية في دعم القضية الفلسطينية، وكانت من أبرز اللوحات الفنية الشهيرة التي استخدمها في الحملات السياسية لوحة “الأسير الفلسطيني”، والتي تُبرز معاناة الأسرى الفلسطينيين، ولوحة “الثورة والمستقبل”، والتي تعكس الامل والطموح في التحرر، وكانت تعبر عن نظرة العرب في القضية آنذاك، كما ساهم بالعديد من الملصقات التي تدعم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مما جعله رمزًا للقضية ع المستويين الأدبي والفني.


وفي استضافته في برنامج “السيف والرقبة” مع ريتشارد كارلتون والذي كان من أبرز وأهم اللقاءات الصحفية التي أجريت مع كنفاني، نوقشت العديد من القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني، وكيفية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأكد فيها علي أن الفلسطينيين يسعون للعيش بحرية وكرامة وليس فقط لاستيعاد أراضيهم، وأن الشعب الفلسطيني سيظل يقاوم حتي يضمن حقوقه، وكانت آراءه تعكس وجهة نظره الثاقبة ومدى صدقه واهتمامه بقضية بلاده، والتزامه العميق بالقضية قولا وفعلًا، ولعل ذِكر هذا اللقاء يذكرنا بمقولته الشهيرة: ” أنا من شعب يشتعل حبًا ويزهو بأوسمة الأقحوان ، وشقائق النعمان علي صدره وحرفه ،ولن أدع أحدًا يسلبني حقي في صدقي”.

كما كان يري محمود درويش أنه أول من عرَّف الأمة العربية علي شعراء وأدباء المقاومة قائلًا: “حين نعتنا كنفاني بأننا أدباء المقاومة ، لم نكن نعرف أننا نكتب أدبًا مقاومًا ، وإنما نكتب ادبًا نعبر فيه عن واقعنا “.

وبرع كنفاني في وصف وانتقاد الوضع الداخلي للمجتمع الفلسطيني، والصراعات الداخلية، والتي انعكست بالسلب على القضية، ومن أشهر أعماله الروائية التي تتناول ذلك “القميص المسروق”، والذي يمثل قضية أكبر من كونه مجرد قطعة ملابس؛ فقد كان رمزًا للحقوق الضائعة، وغياب العدالة، تدور أحداث القصة حول رجل فلسطيني لاجئ، يعمل في مخيم، ويعيش ظروف قاسية، ثم يُتهم هذا الرجل بسرقة قميص، ويتم استجوابه بطريقة تعكس الظلم والاستغلال الذي يتعرض له اللاجئون، وتعكس القصة معاناة اللاجئين الفلسطينيين من الفقر، الظلم، والخيانات، التي كانت من داخل المجتمع الفلسطيني نفسه.


غسان كنفاني كان شعبًا في رجل، كان قضية ووطن، وهو مثال حي على كيف يمكن للفكر والقلم أن يصبحوا أداة للتغيير، يذكرنا ذلك بقول الشاعر الفلسطيني موسي حوامدة: “الأعداء يستكثرون علينا غسان ودرويش؛ لأنهم يقدرون قيمة الفن والأدب، وعندما يبزغ فجر مبدع فلسطيني فهذا يؤكد أن الشعب الفلسطيني شعب حر ومبدع ويستحق أن يكون له دولته كسائر الشعوب”.

أقرأ أيضاً.. المصرية التي حكمت منظمة التحرير الفلسطينية.. رشيدة مهران من هي؟  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *