محمد أحمد كيلاني
ما نعرفه باسم “مرض السكري” هو مجموعة من الاضطرابات الأيضية ذات الأسباب المختلفة التي يكون فيها ارتفاع السكر في الدم أحد الأعراض الشائعة، أي الميل إلى وجود تركيزات عالية من الجلوكوز في الدم بطريقة مستمرة أو مزمنة إلى حد ما.
أنواع مختلفة من مرض السكري
نحن نعرف ثلاثة أنواع من مرض السكري، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، ويُعرف داء السكري من النوع الأول، والذي يُطلق عليه أيضًا مرض السكري المعتمد على الأنسولين أو مرض السكري عند اليافعين، بنقص الأنسولين المطلق.
ويحدث مرض السكري من النوع الثاني، والذي يقسمه بعض الخبراء إلى مجموعات فرعية، نتيجة لخلل تدريجي في إفراز الأنسولين، أو مقاومته، ويحدث مرض السكري من النوع 3 أو سكري الحمل أثناء الحمل ويتوقف عادة بعد الولادة.
والأنسولين هو بروتين يتم تصنيعه في خلايا بيتا، الموجودة في البنكرياس، في مناطق تسمى “جزر لانجرانس“، وهي المسؤولة عن نقل الجلوكوز من الدم إلى داخل الخلايا، التي يخدمها من الغذاء، وعندما يكون هناك الكثير من الجلوكوز في الدم، ينتج البنكرياس المزيد من الأنسولين لتلبية الطلب.
وإذا استمرت هذه الحالة مع مرور الوقت، تتوقف الخلايا عن قبول أكبر قدر ممكن من الأنسولين، وهذا ما يسمى بمقاومة الأنسولين، وعلى المدى الطويل، لا يستطيع البنكرياس الحفاظ على الإيقاع ويحدث مرض السكري من النوع الثاني، ووفي هذه الحالة، فإن السبب ليس نقص الأنسولين، بل توقفه عن العمل، وفي هذا الجانب يمكننا الاستفادة من الدببة.
أسرار السبات
من بين جميع الثدييات السباتية، الدب هو الأكبر، ولتحمل فترة السكون الشتوي الطويلة، فهو يأكل كميات كبيرة من الطعام خلال فصل الخريف، ويتراكم احتياطيات كافية على شكل دهون، والتي يستهلكها شيئًا فشيئًا حتى الربيع، وإن معرفة تفاصيل العملية ليست مهمة سهلة، ولكن بدافع الفضول، توصلت الباحثة جوانا إل كيلي، من جامعة ولاية واشنطن، مع معاونيها، إلى العديد من الاكتشافات ذات الصلة.
وأثناء السبات، تستجيب الخلايا الشحمية للدب، وهي خلايا متخصصة في تخزين الدهون، بشكل فريد لبلازما الدم، وهذه العملية هي التي تنظم الإطلاق التدريجي للعناصر الغذائية المخزنة لتلبية متطلبات الجسم في جميع الأوقات.
يوكشف البحث عن تغيرات جوهرية في التعبير الجيني للخلايا الشحمية أثناء السبات، اعتمادًا على وجود أو عدم وجود مكونات معينة في البلازما، أي أن هذه المكونات تحفز تنظيمًا تفاضليًا لبعض الجينات التي تعبر عنها خلايا التخزين هذه، وبالتالي إدارة عملية التمثيل الغذائي لها في هذه الحالة من السبات الشتوي.
ترتبط بعض الجينات المعنية بمقاومة الأنسولين، وفي الواقع، يبدو أن هذا الحدث أساسي، وفقًا لدراسة كيلي، فإن سبات الدب يتسم بقوة بهذه المقاومة.
تنظيم مقاومة الأنسولين
تم الكشف عن مقاومة الأنسولين أثناء السبات في الدببة كآلية تكيفية ملحوظة، وخلال فترة السبات، يبدو أن الدببة قادرة على تنظيم استجابة الأنسولين بشكل فعال للحفاظ على الطاقة المخزنة على شكل دهون، وتسمح هذه العملية التنظيمية المعقدة للدببة بالحفاظ على توازن أيضي فريد، وتعديل حساسيتهم للأنسولين أو مقاومتهم بدقة بناءً على الطلب الموسمي.
وبدلاً من إدراك مقاومة الأنسولين على أنها خلل، يتم تقديمها في حالة السبات كاستراتيجية تطورية فعالة، ومن خلال اعتماد هذه المقاومة الخاضعة للرقابة، تتمكن الدببة من استخدام احتياطياتها من الدهون إلى الحد الأقصى، عندما ينخفض النشاط الأيضي، خلال السبات الشتوي.
إن القدرة على ضبط حساسية الأنسولين ديناميكيًا تحمل ميزة فسيولوجية فريدة، مما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة والحفاظ على حالة التمثيل الغذائي المثالية في ظل الظروف البيئية الصعبة.
مرض السكري.. هل يمكن تطبيق ديناميكية الدبب على البشر؟
على الرغم من الاختلافات الفسيولوجية الواضحة بين الدببة والبشر، فإن النتائج المتعلقة بمقاومة الأنسولين أثناء السبات تقدم رؤى رائعة، فإن معرفة كيفية إدارة الدببة لمقاومة الأنسولين، وقدرة مركبات معينة في دم الدب على تعديل هذه المقاومة تفتح آفاقًا جديدة للبحث في علاجات مبتكرة للاضطرابات الأيضية، بما في ذلك مرض السكري.
وكان مرض السكري موضوع العديد من الدراسات، ولكن لا يزال هناك الكثير من المجهول، فهل يمكن تطبيق المعرفة المستمدة من مقاومة الأنسولين لدى الدببة على البشر؟ يفتح هذا السؤال الباب أمام أبحاث مستقبلية تركز على علاجات مبتكرة للاضطرابات الأيضية، حيث يمكن تحقيق تنظيم وحتى عكس مقاومة الأنسولين لدى البشر.
ومع ذلك، نظرا لتعقيد النظم البيولوجية المعنية، يجب التعامل مع هذه المقارنات بحذر، وتتطلب الاختلافات بين الأنواع تقييمًا دقيقًا قبل تطبيق الاستنتاجات في سياق بشري، وفقط العلم والوقت سيقدمان إجابات محددة على هذه الأسئلة.
أقرأ أيضاً.. أول مستشفى في التاريخ.. ما هي وأين تأسست؟