جهاد مصطفى-محمد أحمد كيلاني
تهاتفت الأصوات بين المدن و القبائل في أفريقيا، و التي بها أشكال للحياة الغير معروفة إلى حد كبير بالنسبة للعالم الغربي عن امرأة بيضاء تسافر بمفردها عبر المناطق الخطرة، بها
تتعالى صرخات الأطفال فور وصول تلك السيدة إلى المدن، و يحيطون بها من كل الجوانب، حتى يتعرفوا أكثر على تلك المرأة التي تتجول في القارة بدون أي موارد معتمدة فقط على خبرتها، حيث لا دوافع لديها غير حبها للمغامرة و الطبيعة، وكانت تلك السيدة هي”ديليا أكيلي”(Delia Akeley)، وهي أول امرأة تعبر أفريقيا، و ستُذكر كواحدة من أبرز الشخصيات في تاريخ الاستكشاف.
شغف منذ الولادة
من غير المعروف بالتحديد تاريخ ميلاد ديليا جوليا ديننغ، حيث ولدت في مزرعة والديها في ولاية ويسكونسن الأمريكية عام 1875، وكانت هي الأصغر بين تسعة أشقاء، وكانت متمردة على الأعراف الاجتماعية وقتها، حيث كانت تفضل الحياة في الغابات عن العيش في المدن التقليدية، فهربت من المنزل و هي لم تتجاوز 13 عام، فقط لتذهب للبحث عن شغفها.
وكانت لا تزال ترتدي آخر ملابس أخدتها من أخواتها الأكبر سنًا حينما قابلت آرثر ريس، وهو حلاق على السفن التجارية وصياد هاوي،
وأصبح آرثر زوجها الأول، والرابط الذي ربطها بأفريقيا لاحقًا، بشكل غير مباشر على الأقل، وبسبب ملاحقة زوجها لكثرة سفره، تعرفت ديليا على”كارل أكيلي”، وكانت عيناها تلمعان أكثر فأكثر مع كل لقاء جديد، وكان كارل الشخصية المثالية التي تخيلتها ديليا.
وكانت اخلاقه حميدة، لكن ما أسرها حقًا هو طريقة حياة كارل أكيلي، فهو مستكشف، وعالم أحياء، ومصور، ومحنط، ويجيد الرماية بالبنادق على النمط الغربي، وكان يعمل في أبرز متاحف العلوم الطبيعية في الولايات المتحدة، وكان مسؤولًا عن صيد الحيوانات لتحنيطها وعرضها للجمهور.
واستمعت ديليا بحماس إلى قصص كارل، وتعملت التقنيات المتعلقة بعمله، والتي اعتبرتها أكثر إثارة من تقليم لحية زوجها، لذلك عندما بلغت سن السابعة والعشرين، انفصلت ديليا عن آرثر، وتزوجت من كارل، وهو الذي أخذت منه اسم عائلة أكيلي، و بدأت معه مغامرتها الأفريقية.
ديليا أكيلي من مستكشفة إلى بطلة
كان الزوجان جزءًا من عدة بعثات صيد تنظمها مؤسسات مثل متحف الفن الطبيعي، ومتحف العلوم الطبيعية في نيويورك، وتعلمت ديليا حشو السلاح وإطلاق النار، وكانت تلك المهارات واضحة واستخدمتها خلال الحادثة التي وضعتها في مرتبة الأبطال.
حيث انطلق “فيل كبير” ذو أنياب ضخمة وحادة، واقتحم مرصد كارل في أحد الأيام صباحًا، فالتقطت ديليا البندقية وسددت رصاصة دقيقة في منتصف جمجمة الفيل، واستطاعت السيطرة على الهجوم فورًا، وتمكن كارل من العودة للولايات المتحدة ليخبر الجميع كيف أنقذت زوجته حياته.
ومع ذلك لم تتوقف ديليا دائمًا عن التطلع إلى تحديات ومغامرات أكثر صعوبة، فبالنسبة لها الروتين شئ لن تسمح له بالدخول في حياتها، ومن هنا بدأ زواجها بالتعثر، وفي عام 1918، تطوعت في قوات المشاة الأمريكية المتمركزة في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، فأصبح هناك فجوة بينها و بين زوجها بخصوص الالتزام بواجباتهم حتى عام 1923 حينما تم الإتفاق على الطلاق، لتعود ديليا أكيلي في العام التالي إلى أفريقيا لتبدأ مغامرتها الفردية الرائعة.
ديليا أكيلي وعبور أفريقيا
بالنسبة للبعض الذين يستمتعون بوقتهم بالجلوس على كرسي مريح بذراعين في المنزل وقراءة الكتب المفضلة، أن ما فعلته ديليا يُفهم بالجنون، وهذا دائمًا هو ما ينسب إلى هؤلاء المستكشفين الذي دخلوا إلى تضاريس خطرة مجهولة، مثل جنود الإسكندر الأكبر، و البحارة الأوائل في أمريكا، و أول من أكمل الإبحار حول العالم، وأولئك الذين ساروا على أقطاب الكوكب، فقررت ديليا أكيلي، البالغة من العمر 50 عامًا، عبور أفريقيا من الساحل الشرقي إلى المحيط الأطلسي سيرًا على الأقدام وهي وحيدة، بالطبع سوف تقول:ما هذا الجنون!.
حسنًا، هي لم تنجح فقط، بل ايضًا تلقت دعمًا من متحف”بروكلين للتاريخ الطبيعي”، حيث جمعت عينات حيوانية وتم عرضها في قاعة عرض خاصة، أمضت أكثر من عام تجوب القارة الأفريقية، حيث عاشت مع قبيلة للأقزام لبضعة أشهر في الكونغو البلجيكية، وكتبت ديليا عن تجربتها فقالت:
“منذ تجربتي الأولى مع القبائل البدائية في وسط أفريقيا، منذ 22 عامًا، كان لدي اقتناع راسخ بأنه إذا غادرت المرأة بمفردها، دون مرافقة مسلحة، وعاشت مع نساء القرى، يمكنها تكوين صداقات مع النساء و الحصول على معلومات قيمة حول عاداتهم القبلية.
وقد جمعت مغامرتها العظيمة في كتاب يسمى”صور الغابة” تروي فيه كيف نجت من الوحوش الخطرة مثل تماسيح نهر زامبيزي، ومضايقات السكان الأصليين، والأمراض الخطيرة، والجوع.
ديليا أظهرت إرادة قوية، وشخصية مغامرة جامحة، وتصميم على فهم الحياة في أفريقيا، واستطاعت التغلب على الشدائد، كل هذا جعل ديليا أكيلي أسطورة الاستكشاف.
أ
قرأ أيضاً.. المرأة التي لا تبتسم أبدًا.. حتى أشهر الكوميديين عجزوا أمامها