نشوى الحسيني
“الثورة البلشفية” (Bolshevik Revolution)، هي كلمة روسية تعني الأغلبية، ولكن ما علاقة هذا المعنى بما حدث في روسيا مستهل القرن العشرين؟ وهل البلشفية مجرد كلمة لها معاني أم حدث له نتائج؟
الثورة البلشفية
ظلت روسيا حتى القرن التاسع عشر، تحت مظلة الإمبراطورية القيصرية، وكانت كما هي الآن، من أكبر دول العالم من حيث المساحة، وكان شعبها يُشكل ثالث أكبر تجمع بشري في العالم في ذلك الوقت، بعد الصين في عهد سلالة تشينغ، وأيضًا الإمبراطورية البريطانية التي كانت تضم تجمُع بشري هائل.
ولكن مع مستهل ذاك القرن، وبسبب حروبها مع الدولة العثمانية تدهورت أحوال الإمبراطورية حتي استلم “نيقولا الثاني” -وهو آخر قياصرة روسيا- الحكم في ظل تلك الأوضاع المزرية.
الأوضاع الاجتماعية والسياسية غير مستقرة
في ذلك الوقت كانت الأوضاع في روسيا غير مستقرة، فقد كانت البرجوازية مُتفشية في روسيا، وسيطرت الرأسمالية، وتدهورت الظروف الاقتصادية، وأيضًا الأوضاع الدينية.
وبسبب جشع الإمبراطور والإقطاعيين وحرمان كافة الطبقات من بينهم العمال، والفلاحين، من أبسط حقوقهم حتى إنهم كانوا يعملون كالعبيد، اتجه هؤلاء المُتضررين إلى الفكر الماركسي، وذلك على أمل أن يُعيد هذا التوجه لهم حقوقهم المسلوبة.
وقد انتشرت المظاهرات والاضطرابات داخل البلاد، وهو ما دفع الإمبراطور إلى أن يواجهها بالعنف والقتل مما زاد الأوضاع سوءًا أكثر.
ولكن الإمبراطور وعنفه لم يحبطا عزيمة الشعب حينها، وقرروا إنشاء “الحزب الإشتراكي الثوري” وذلك في عام 1901.
الحزب الاشتراكي السوفيتي
وظلت الأوضاع على تلك الحالة حتى تأسس “الحزب الاشتراكي السوفيتي” في عام 1912 ميلاديًا، بقيادة “فلاديمير لينين” الذي كان متبنيًا للفكر الماركسي، ومتأثرًا بفكر الفيلسوف الألماني “كارل ماركس”.
وأصبح لينين رمز وطني روسي، وسرعان ما التفت حوله الجماهير الكادحة من الشعب الروسي وأعلنوا حالة من التمرد على تلك الأوضاع المزرية.
الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية
وباندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وبتورط روسيا فيها ازدادت الأوضاع سوءًا، وارتفع الدين الخارجي، وكادت روسيا أن تعلن إفلاسها، وبالطبع انتشرت البطالة والجهل والمجاعات، وذلك تزامنًا مع قيام الشعب بالمظاهرات، وعمليات التمرد وبسبب تلك الأحداث أُريقت الكثير من الدماء، وهاجر أكثر من مليون مواطن، تاركين بيوتهم.
ومكثت روسيا بأوضاعها تلك حتى فبراير من عام 1917، وقد بلغ السيل الزبى بالشعب الروسي، وانقلبوا على إمبراطورهم ولم يحبط انقلابهم قسوة ردة فعله، فهو مَن أراق دمائهم بكل قسوة، حتى أُجبر على التنحي.
وتم تشكيل حكومة مؤقتة، ولكن لم يقبل الشعب الثائر بها، وفي أكتوبر من نفس هذا العام اندلعت واحدة من أجمل الثورات على مر التاريخ وهي الثورة البلشفية، وبالتفاف الشعب حول الحزب البلشفي بقيادة لينين والجيش الأحمر تحت إمرة “ليون تروتسكي” كان الانتصار حليفهم.
وتم إسقاط الحكومة المؤقتة، وتمت ملاحقة آخر قياصرة روسيا القديمة “نيقولا الثاني”، وتم اغتياله هو وجميع أسرته، وذلك على الرغم من دعم دول الحلفاء له خوفًا من انتشار الفكر الماركسي الشيوعي وتوغله إلى أوروبا.
وقد شكل نجاح الثورة تمهيدًا لإقامة الاتحاد السوفيتي الذي تم تأسيسه عام 1922، وأصبح لاحقًا إحدى قطبي العالم الذي وقف ندًا بند أمام القطب الآخر وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا انتصرت الثورة البلشفية، ولكن كعادة الثورات راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، وانتشر خلالها جُل عمليات النهب والسرقة، ولكنها كانت بداية جديدة لروسيا ولفكر جديد ساد العالم لعقود عدة، فللحرية ثمن غالي ولكن عبيرها أغلى.
أقرأ أيضاً.. آخر ملك فارسي.. نُفي إلى المكسيك وترقد رفاته في مسجد الرفاعي