محمد أحمد كيلاني
ولدت ماجدالينا كارمن أو فريدا كاهلو كالديرون، في 6 يوليو 1919 في حي كويواكان بمكسيكو سيتي، وكانت الابنة الثالثة للمصور الألماني غييرمو كاهلو وماتيلدا كالديرون، وقد كانت حياة الرسامة مليئة بالنشاط، والحيوية، ولكنها أيضًا لم تخلو من الحوادث التي تركتها عاجزة في النهاية، والتي اعتبرتها جزءًا من عملها الفني.
الدراسة
قبل أن تصبح رسامة، فقد درست فريدا كاهلو في المدرسة العادية للمعلمين، بينما أكملت شهادة البكالوريا في المدرسة الإعدادية الوطنية، وخلال هذه المرحلة، وقع حادث أليم للفنانة وترك عواقب خطيرة ظهرت عليها وصاحبتها مدى الحياة.
كيف وقع حادث فريدا كاهلو؟
في 17 سبتمبر من عام 1925، وقع الحادث، وذلك حينما كانت هي وصديقها أليخاندرو جوميز أرياس يستعدان لركوب الحافلة بعد مغادرة المدرسة الإعدادية الوطنية.
وبشكل مأساوي، اصطدمت الشاحنة التي كانا يستقلانها بترام، مما أدى إلى إصابة الشابين بجروح خطيرة.
ونتيجة للحادث، أصيبت فريدا كاهلو بجروح مدمرة، فقد ثقب “درابزين الترام” حوضها، مما تسبب في كسر في العمود الفقري والترقوة، والعديد من اضلاعها.
بالإضافة إلى أحد عشر كسرًا في الساق بأماكن مختلفة، وكان لهذه الإصابات أثر كبير على حياتها، حيث تركتها تعاني من إعاقة وألم مزمن كان يرافقها لبقية أيام حياتها كما ذكرنا.
حياة فريدا كاهلو بعد الحادث
بعد الحادث قضت فريدا فترات نقاهة طويلة، وخضعت خلالها للعديد من العمليات الجراحية، التي وصل عددها لاثنين وثلاثين عملية جراحية، وذلك سعيًا منها وراء الراحة من آلامها ومحاولة استعادة قدرتها على الحركة، وأصبحت تجارب المعاناة التي تعرضت لها وكفاحها المستمر ضد الألم عناصر متكررة في أعمالها الفنية.
فقد وجهت الرسامة ألمها وعواطفها من خلال الفن، وحولت معاناتها إلى مصدر إلهام وتعبير إبداعي، وذلك خلال فترة النقاهة، وبدأت فريدا في الرسم واستكشاف تقنيات فنية مختلفة، مدفوعة جزئيًا بعلاقتها مع رسام الجداريات المكسيكي الشهير “دييغو ريفيرا“.
فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا
التقت فريدا ودييغو في المدرسة الثانوية وتزوجا في عام 1929، وعلى الرغم من علاقتهما المعقدة، كان لزواجهما تأثير عميق على حياة فريدا وعملها، فقد كان دييغو شخصية مهمة في التطور الفني لفريدا، حيث قدم الدعم والتشجيع لها.
وقد شكل الحادث والعواقب الجسدية التي تركها جزءًا مهمًا من عمل فريدا كاهلو، وذلك من خلال الصور الذاتية واللوحات الأخرى، وقد استكشفت فريدا موضوعات مثل الألم والهوية والجنس والأنوثة، وهو ما انعكس في عملها الشهير “العمود المكسور” الذي شكل وأوضح معاناتها والعواقب الجسدية التي تعرضت لها.
من أبرز الشخصيات الفنية المكسيكية
أصبحت فريدا كاهلو شخصية بارزة في الفن المكسيكي والسريالي، تاركة إرثًا دائمًا في تاريخ الفن، ولا تزال شجاعتها وقدرتها على تحويل الألم إلى فن مصدر إلهام لأجيال من الفنانين والمعجبين حول العالم.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها طوال حياتها، إلا أن فريدا كانت صوتًا قويًا وممثلة للفن الأصيل وغير المقيد، ولا تزال قصتها وفنها يأسران الملايين، وتقف روحها التي لا تقهر كتذكير بقدرة الإنسان على إيجاد الجمال والمعنى حتى في خضم الشدائد.
لوحة “الشاحنة” ولوحة “العمود المكسور”
الشاحنة والعمود المكسور هما من أعمال فريدا كاهلو الرمزية حول إعاقتها والتي ترتبط أيضًا بحادثتها.
فلوحة “الشاحنة” عمل رسمته فريدا عام 1929، وذلك بعد أربع سنوات من حادثها، وتُمثل هذه اللوحة لحظة وقوع الحادث الذي اصطدمت فيه الشاحنة التي كانت تستقلها بترام، وتم تقديم المشهد بطريقة رمزية وسريالية، مع إضافة عناصر تُمثل الحدث الذي ميز حياة الفنانة.
أما عن “العمود المكسور” فهي عبارة عن لوحة تم رسمها في عام 1944، وتُمثل فيها العمود الفقري المكسور، وفي هذا العمل، تُصور فريدا نفسها بشكل جانبي، وتُظهر جسدها العاري مع فتح الجلد للكشف عن العمود الفقري المكسور وسلسلة من الأظافر التي تمسك به.
وتنقل اللوحة إحساسًا بالألم والضعف، واستخدمت فريدا ألوانًا نابضة بالحياة ومتناقضة مع ظلال من الأحمر والأزرق لإبراز معاناة وقوة جسدها التالف، وعلى الرغم من عمودها الفقري المكسور والمتصلب، فقد تم تصوير فريدا بتعبير هادئ ومتحدي، مما يدل على تصميمها على مواجهة الشدائد.
والعمود المكسور عمل يستكشف العلاقة بين الألم الجسدي والعاطفي، فهو يُمثل المعاناة التي عانت منها فريدا نتيجة لحادثتها والعمليات المتعددة التي خضعت لها، وأصبحت اللوحة تمثيلاً لقدرة فريدا على مواجهة الألم والتغلب عليه.
وقد أبرزت هاتان اللوحتان مثالين قويين على كيفية استخدام الفنانة المكسيكية فنها كوسيلة للتعبير عن ألمها ونضالها وهويتها، وذلك من خلال التمثيل الرمزي والشخصي، فقد تمكنت من إنشاء أعمال تواصلت مع التجارب الإنسانية العالمية، وأصبحت بها من أعظم فنانين جيلها.