نستعرض معكم في هذا الموضوع من مستبشر، شخصية هامة جدًا في التاريخ المكسيكي، وهو “بينيتو بابلو خواريز”(Benito Juárez) المحامي والسياسي، والذي ترأس حُكم المكسيك في مناسبات مختلفة، وشغل هذا المنصب لمدة 14 عامًا، وكان دوره ضروريًا لتوحيد المكسيك كجمهورية في الأوقات العصيبة التي مرت على هذا البلد.
وعلى الرغم من أنه قد يكون من المبالغة القول، أن خواريز كان محرر المكسيك الحقيقي، إلا أن أنصاره يرون ذلك، ورغم أنه شخصية داعمة في التاريخ المكسيكي، إلا أن الإتهامات لاحقته من قِبل منتقديه، الذين اتهموه بأنه جاحد، وعدو للدين، وخائن للبلاد، التي من المفترض أنه كرس لها حياته، فلنتعرف أكثر على الشخص صاحب الذكاء القوي والحنكة السياسية، والذي وضع إسمه بجانب تاريخ تحرير المكسيك.
الولادة والعائلة
ولد بينيتو بابلو خواريز في 21 مارس من عام 1806 في سان بابلو دي جيلاتاو، وهي بلدة تقع في الجبال شمال وادي أواكساكا، وكان والده مارسيلينو خواريز ووالدته بريجيدا غارسيا، كلاهما ينتميان إلى العرق الهندي الأصلي للبلاد.
وقد اشتهرت تلك المنطقة بزراعة أشجار البرتقال والليمون الشيريمويا، وحافظت المنطقة على عادات وتقاليد ما قبل الإسبان دون تغيير حتى في ذرة واحدة.
ولسوء حظه توفى والديه عندما كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط
الطفولة والشباب والتعليم
عندما مات والديه وأجداده، عاش لفترة مع عمه برناردينو خواريز، وهو رجل غير سوي واعتاد أن يسكر دائمًا وكان يمتلك كوخًا وقطيعًا صغيرًا من الأغنام.
وكان على الصبي، الذي يفتقر إلى أي عادات موروثة من والديه، أن يكرس نفسه منذ سن مبكرة للعمل في المزرعة، لكن عمه علمه القراءة وأصر على أهمية تعلم الصبي اللغة الإسبانية من أجل الإزدهار.
فقد كان في ذلك الوقت من الصعب على الفقراء التعلم أو حتى امتهان أعمال علمية، لذلك رأى عمه أن عليه تعلم اللغة الإسبانية حتى يستطيع أن يهرب من الفقر.
دراسات في أواكساكا
لأنه طامح إلى المعرفة، فقد اكتشف الصبي مبكرًا أن عمه لا يستطيع أن يعلمه أكثر مما علمه إياه بالفعل وأنه يتعين عليه البحث عن آفاق جديدة في العاصمة، وأيضًا بسبب تعبه من رعاية الأغنام، وكان الراعي الصغير يخشى انتقام عمه.
لذلك في 17 ديسمبر 1818 وهو بسن الثانية عشرة، هرب من المنزل وسار مشيًا على الأقدام إلى مدينة أواكساكا، حيث وصل في نفس اليوم.
وقد كان بينيتو صبيًا مُطيعًا، ولديه القليل من الأصدقاء، ومثل بني عرقه في ذلك الوقت كان يميل إلى الوحدة.
وفي مدينة أواكساكا الجميلة والمكتظة، سعى خواريز لحماية ومساندة أخته “ماريا”، التي كانت تعمل طاهية في منزل لعائلة تُسمى “مازا”، فذهب وانضم إليها.
وبعد أن خدم لبعض الوقت في عائلة مازا، التي رحبت به، أصبح متدربًا في ورشة عمل “دون أنطونيو سالانويفا”، وهو مُجلِّد للكُتب، وذلك ما جعله على إتصال مع القراءات الأولى.
وتم تمهيد الطريق أمامه لدخول المدرسة الدينية كطالب خارجي في 18 أكتوبر 1821، وهو نفس العام الذي تم فيه إعلان استقلال المكسيك.
الحياة السياسية لبينيتو خواريز
في عام 1833، تخرج بينيتو خواريز من مدرسة أو كلية القانون أيًا كان إسمها في ذلك الوقت، وكان قد بدأ بالفعل حياته السياسية كنائب لأواكساكا بين عامي 1832 و 1833.
وقد كانت هذه هي الخطوة الأولى في النشاط السياسي، الذي أدى به إلى أن يصبح أعلى رئيس للأمة، وعلى الرغم من أنه كان عليه أن يتسلق السلم السياسي ببطء، وأيضًا يجب أن لا ننسى أنه في أي طريق نجاح تتواجد الصعوبات، والتي كان لزامًا عليه أن يتغلب عليها، وأن كانت لا حصر لها، فقد عانى من النفي، ومن السجن، والحرب الأهلية، وفي هذا الطريق الذي ضم فيه العديد من المؤيدين، أيضًا جذب العديد من الكارهين.
بينيتو خواريز حاكم لأواكساكا ومنفي عدة مرات
كان عضوًا في الكونغرس المكسيكي عام 1846، وفي العام التالي 1846 وحتى عام 1852 شغل منصب حاكم ولاية أواكساكا.
وفي عام 1853 تأسست الديكتاتورية، ونُفي إلى كوبا، وعاد منها عام 1855 لتولي وزارة العدل.
وفي هذا المنصب، أصدر سلسلة من القوانين المهمة، التي كانت هدفها الرئيسي هو تحقيق الإصلاح الزراعي وإخضاع الجيش والكنيسة للسلطة المدنية، واتخذت تلك القوانين الطابع الجاد، حين توجت بالدستور الليبرالي المعتدل في عام 1857.
وفي نفس العام 1857 تولى “إجناسيو كومونفورت” رئاسة المكسيك، وهو الذي كان يحاول التوافق مع المحافظين، لذلك سجن خواريز، وأطلق العنان للحرب الأهلية بعد البيان الذي رفعه المحافظ “فيليكس زولواغا” إلى الرئاسة في يناير من العام التالي.
ومع ذلك، وبصفته الرئيس الشرعي لمحكمة العدل العليا، أسس خواريز حكومة دستورية في ولاية غواناخواتو، ولاحقًا في غوادالاخارا، واضطر إلى الذهاب إلى المنفى في بنما تحت ضغط أعدائه.
بينيتو خواريز رئيسًا للمكسيك
في 4 مايو 1858، عاد من منفاه في بنما ليؤسس حكومته في ولاية فيراكروز، وفي عام 1859 اعترفت الولايات المتحدة بحكومته، وبدأ خواريز في سن قوانين الإصلاح الشهيرة.
فقد قام بتأميم أصول رجال الدين، وقمع الرهبنة، وقام بإنشاء السجل المدني، والفصل النهائي بين الكنيسة والدولة.
وأثار القرار الذي اتخذه خواريز بتعليق سداد الديون الخارجية إلى التدخل العسكري في المكسيك، فكان على فرنسا، وإسبانيا، وإنجلترا، الدخول إلى المكسيك، التي غرقت مرة أخرى.
وعلى الرغم من حقيقة أن خواريز تمكن من الصلح مع إسبانيا وانجلترا من خلال اتفاقية سوليداد، فقد قامت فرنسا بغزو البلاد، وفي عام 1864، وبعد احتلال العاصمة، انتهى الأمر بفرض “الأرشيدوق ماكسيميليان من النمسا” كإمبراطور للمكسيك.
وبدأ خواريز في الهجوم على ماكسيميليان بعد ثلاث سنوات، والذي أنتصر فيه بعد حصار ولاية كويريتارو في عام 1867، وأدى ذلك إلى إعدام ماكسيميليان، في 19 يونيو في سيرو دي كامباناس.
السنوات الاخيرة لبينيتو خواريز
بعد ذلك مباشرة، أعيد انتخاب خواريز، لكن السنوات الخمس الأخيرة من حياته السياسية اتسمت بأعمال شغب وصراعات في جميع أنحاء البلاد ومن جميع الأنواع، وانتشرت عمليات قطع الطرق، وزادت الجماعات الثورية في المكسيك.
وبدأ النظام الدستوري، الذي فُرض بعد معارك شاقة ضد قوى الرجعية القوية، يفقد مصداقيته بتهمة التزوير.
ولكسر ظهر البعير، بدأ الرئيس إصلاحات غير شعبية من أجل حشد المزيد من السلطة الفعالة بين يديه، مما أدى إلى انشقاقات في صفوفه.
وفي عام 1871، كان على الرئيس إخماد انتفاضات مختلفة، مثل انتفاضات تريفينيو ونارناجو، مما أدى إلى استنفاد قواه الضعيفة بالفعل في هذه المهمة المرهقة.
وعلى الرغم من أنه تولى الرئاسة مرة أخرى في 1 ديسمبر 1871 أمام مجلس النواب، وهناك كرر إيمانه بالشرعية، إلا أن رياح التاريخ كانت بالفعل موجهة نحو مسارات أخرى.
وهاجم الجنرال “بورفيريو دياز” ومؤيديه خواريز، واتهموه بأنه ديكتاتور وشنوا ثورة عليه، وقد نجى أيضًا خواريز من هذا الوابل الأخير من أعدائه السياسيين.
وأخيرًا، وبعد سلسلة من النوبات القلبية، توفي بينيتو خواريز في 18 يوليو 1872 في القصر الوطني في مكسيكو سيتي.
وحاليًا، تتواجد لوحة تذكارية في مكان وفاته، فقد شغل خواريز رئاسة المكسيك لمدة أربعة عشر عامًا، ورغم بعض القرارات غير الصائبة التي اتخذها، يبقى بينيتو خواريز رمزًا ورجل المكسيك القوي، وأول رئيس من أصول محلية للبلاد.
قرأ أيضاً.. ونستون تشرشل.. الأسد القديم لبريطانيا.. حقائق عن دوره السياسي العظيم
أقرأ أيضاً.. عبارات إميليانو زاباتا.. صَوت وحكيم الثورة المكسيكية