
في حدثٍ علمي تاريخي يُعيد الأمل للعقول العربية، أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم فوز العالم العربي عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، ليصبح بذلك أول عالم من أصول فلسطينية أردنية سعودية ينال هذا التكريم الرفيع، عن أبحاثه الرائدة في تطوير الأطر المعدنية العضوية التي أحدثت ثورة علمية في مجالات استخراج الماء من الهواء، وتخزين الغازات، ومكافحة التلوث الكربوني. وقد شاركه الجائزة كلٌّ من ريتشارد روبسون وسوسومو كيتاجاوا في اعتراف عالمي بأثر أبحاثهم التي غيّرت وجه الكيمياء الحديثة.
هذا الخبر الذي تصدر الصحف العالمية والعربية في لحظات، لم يكن مجرد فوز علمي، بل كان أيضًا لحظة رمزية لنهضة العقل العربي في ساحة عالمية لطالما هيمن عليها الغرب، ليؤكد عمر ياغي أن الإبداع لا يعرف حدودًا وأن الانتماء إلى الحلم لا يقل عن الانتماء إلى الجغرافيا.
من مخيم اللجوء إلى منصة نوبل
وُلِد عمر مونّس ياغي عام 1965 لعائلة فلسطينية هجّرت من قرية المسمية في فلسطين إلى الأردن، حيث نشأ في ظروف بسيطة ملأها الطموح والإصرار على تجاوز القيود، وقد درس في مدارس عمّان قبل أن يحصل على منحة للدراسة في الولايات المتحدة وهو في الخامسة عشرة من عمره، وهناك بدأ طريقًا علميًا شاقًا، إذ اضطر إلى العمل أثناء دراسته لتمويل تعليمه، إلى أن حصل على شهادة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة ولاية نيويورك عام 1985، ثم نال الدكتوراه من جامعة إلينوي عام 1990.
لم تكن مسيرته سهلة، لكنه تميّز بعقل لا يهدأ، وسرعان ما أصبح أحد أهم علماء الكيمياء في القرن الحادي والعشرين، حيث عمل في جامعات أمريكية مرموقة وواصل أبحاثه حتى أنشأ ما يُعرف اليوم بالمواد المسامية أو الأطر المعدنية العضوية، التي غيّرت المفهوم التقليدي لتخزين الغازات والطاقة.
لماذا فاز عمر ياغي بجائزة نوبل؟
أشادت لجنة نوبل في بيانها الرسمي بما وصفته بـ”ثورة المواد الجديدة” التي ابتكرها ياغي، إذ تمكن من تصميم شبكات بلورية تعرف باسم MOFs قادرة على التقاط الغازات والاحتفاظ بها بكفاءة عالية، وهو ما فتح الباب أمام تطبيقات مذهلة في مجالات الطاقة والبيئة والمياه. هذه المواد تمتاز بقدرتها على امتصاص بخار الماء من الهواء في أقسى الظروف المناخية، ثم تحويله إلى ماء صالح للشرب، وهو ما اعتبرته اللجنة اختراقًا علميًا يمكن أن يغيّر مستقبل الحياة في المناطق القاحلة.
لقد أصبح اسم عمر ياغي جائزة نوبل حديث العلماء حول العالم، إذ أثبت أن الكيمياء ليست مجرد علم في المختبر، بل أداة للبقاء الإنساني، وقد استُخدمت اكتشافاته في تطوير تقنيات متقدمة لتحلية المياه وتنقية الهواء وخفض الانبعاثات الضارة، وهي قضايا تشغل العالم في ظل التحديات البيئية المتزايدة.
فخر عربي ودولي بإنجاز عمر ياغي
لم تمر لحظة الإعلان دون ردود فعل واسعة من العالم العربي، فقد وجّه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني برقية تهنئة إلى العالم الفائز، مشيدًا بما وصفه بـ”الإنجاز الذي يرفع راية الأردن والعرب عاليًا”، كما عبّر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن فخره بهذا الفوز، مؤكدًا أن العرب قادرون على المنافسة حين تتوفر بيئة العلم والدعم، فيما امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الفخر والاعتزاز باسم عمر ياغي جائزة نوبل الذي أصبح رمزًا للأمل والإصرار.
وفي السعودية، حظي ياغي باحتفاء خاص بعدما حصل على الجنسية السعودية عام 2021 تقديرًا لإسهاماته البحثية في مجالات علمية متقدمة، حيث كان ضمن أبرز العلماء الذين دعمهم برنامج البحث والابتكار التابع لرؤية 2030، ما جعل فوزه تتويجًا للسياسات التي تستثمر في العقول قبل الموارد.
عمر ياغي جائزة نوبل 2025.. أبحاث علم في خدمة الإنسان
لم تقتصر إسهامات عمر ياغي على المختبرات أو الأوراق الأكاديمية، بل امتدت إلى مشاريع تطبيقية تهدف إلى خدمة الإنسان، فقد طوّر أجهزة تعمل بتقنيات الأطر المعدنية العضوية قادرة على توليد الماء من الهواء دون حاجة إلى طاقة كبيرة، ما يجعلها مثالية للمناطق النائية والصحراوية، وهو ما وصفه بعض الخبراء بأنه “علم يلامس المعجزات”.
كما ساهمت أبحاثه في تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون من الجو، لتقليل التلوث والمساهمة في مكافحة الاحتباس الحراري، إضافة إلى مشاريع لتخزين الطاقة النظيفة، الأمر الذي جعل مؤسسات دولية كبرى تعتمد على نتائجه كأساس في تصميم حلول بيئية مبتكرة.
عمر ياغي جائزة نوبل 2025.. التكريم العالمي وردود الفعل
خلال حفل الإعلان في ستوكهولم، وقف عمر ياغي متأثرًا وهو يتحدث عن مسيرته، قائلًا إن “العلم لا وطن له، لكنه يحمل وجوه من آمنوا به”، مضيفًا أن هذا الفوز هو “انتصار لكل طفل عربي يؤمن بأن المعرفة هي الطريق إلى الكرامة”. وقد أشاد عدد من العلماء العالميين بجهوده، مؤكدين أنه أسس مدرسة علمية جديدة في الكيمياء المعاصرة.
تستعد الأكاديمية الملكية لتسليم الجوائز رسميًا في العاشر من ديسمبر القادم، ومن المتوقع أن يحضر الحفل عدد من الشخصيات العربية والدولية لتكريم هذا الإنجاز غير المسبوق. كما ستُنظم احتفالات موازية في الأردن والسعودية، وسيُعرض في بعضها مشروعات تعليمية مقتبسة من أبحاثه لإلهام الجيل الجديد من العلماء العرب.
تأثير فوز عمر ياغي على الأجيال القادمة
لا يمكن النظر إلى فوز عمر ياغي جائزة نوبل كحدثٍ عابر، فهو يمثل تحولًا ثقافيًا وعلميًا يُعيد للعرب ثقتهم في إمكاناتهم، ويحفّز الجامعات ومراكز البحث في المنطقة على الاستثمار في الابتكار والتجريب. لقد أثبت ياغي أن الطريق إلى نوبل يبدأ بفكرة بسيطة يرافقها الإصرار، وأن العزيمة قد تصنع من طالبٍ في ظروف قاسية رمزًا للعلم على مستوى العالم.
قصة عمر ياغي ليست مجرد سيرة نجاح، بل هي رسالة أمل لكل شاب عربي يسعى لإثبات ذاته في عالم تتصارع فيه العقول. من بين المآسي وقيود الواقع خرج عالمٌ ليزرع اسمه في سجلّ الخلود العلمي، مؤكّدًا أن الإرادة أقوى من الحواجز، وأن المستقبل لا ينتظر أحدًا بل يصنعه من يسعى نحوه بشغف. إن فوز عمر ياغي جائزة نوبل ليس تكريمًا فرديًا فحسب، بل هو تكريمٌ لكل من آمن بالعلم طريقًا للنهوض بالأوطان والإنسان.
اقرأ أيضًا.. محمد أنور السادات.. أسطورة الحرب والسلام