ثقافات

الحضارة الفينيقية.. أول من اخترعوا الكتابة

محمد أحمد كيلاني 

كان الفينيقيون شعباً شكل حضارة سُميت ” الحضارة الفينيقية” في منطقة الشام، أي المناطق التي عاشوا فيها في لبنان وجزءاً من سوريا وفلسطين، وقد نشأ مصطلح “الفينيقية” من مصطلح “phoinikes”، وأيضاً يُعرف الفينيقيون باسم “سيدونيوس”، وهو مصطلح يستند إلى مدينة صيدا.

لقد كان هذا الشعب معروفاً جداً في العصور القديمة لامتلاكه التُجار والملاحين المتميزين، وأيضاً في صُنع وإنتاج أفضل القوارب، وتعزي هذه السمة المميزة للفينيقيين إلى الحالة الجغرافية للمنطقة التي لم تكن تمتلك سمات زراعية، وذلك بسبب كونها جبلية، ولم يكُن هناك مقصداً واحداً لتنمية الزراعة، فلنتعرف عليهم بشكل أوضح.

خصائص الفينيقيين

لم يُطور الفينيقيون حضارة مركزية بسبب تنظيمهم في دول المدن، وهذا يعني أن كل مدينة فينيقية كان لها هيكل سلطة وسياسة إقتصادية مختلفة عن غيرها، وكانت المدن الفينيقية الرئيسية هي صيدا وصور، اللتان تمتعا بتطور إقتصادي كبير للغاية، وجبيل، المعروفة أيضًا باسم جبل، وكانت المركز الديني الرئيسي لتلك الحضارة.

وبسبب الاستقلال بين المُدن الفينيقية، لا يستطيع المؤرخون تأكيد ما إذا كانت هذه الدول، تعتبر نفسها تنتمي إلى نفس الحضارة أم لا، وعلى الرغم من ذلك، يَعرف المؤرخون أن تلك المدن لديها الكثير من القواسم المشتركة، مثل المعتقد الديني، واللغة، واستخدام نفس طريقة الكتابة، وما إلى ذلك.

مدينة صور في الحضارة الفينيقية

نشأت مدينة صور حوالي 2750 قبل الميلاد، تحت اسم “أوشو” وازدهرت بسبب تحالفها مع مملكة فلسطين الواقعة في الجنوب، وحدثت الطفرة، في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، عندما كان لها تأثير كبير على تطوير المستعمرات الفينيقية في أجزاء مختلفة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

وبدأت المنطقة التي تطورت فيها مدينة صيدا، بجذب السكان، وكانت هذه المدينة مركزاً تجارياً مهماً للفينيقيين، وفي القرن العاشر قبل الميلاد، تنازعت صيدا على هيمنة المنطقة مع دولة فينيقية أخرى، مثل صور، وقد تراجعت هيمنة صيدا بعدما تحالفت صور مع مملكة فلسطين.

التجارة الفينيقية

اشتهر الفينيقيون بمهاراتهم الملاحية وكان لديهم تجارة متطورة للغاية، فقد قاموا بصناعة وتطوير سفن قادرة على الإبحار في البحر الأبيض المتوسط ​​بأكمله، وتم تزيين السفن الفينيقية برأس حصان في إشارة إلى إله إسمه “يام”، الذي يعتبر المسؤول عن الحفاظ على هدوء البحر.

ومع نمو دول المدن الفينيقية، تطورت تجارة قوية في المنطقة، وقد قام الفينيقيون بتسويق البضائع التي يقدرها مختلف الشعوب في العصور القديمة، مثل القطع الزجاجية والمجوهرات والسيراميك، إلخ، ومع ذلك، كان الحبر الأرجواني هو المنتج الأكثر تميزاً لدى الفينيقيين، والذي تم استخراجه من رخويات موجودة قبالة الساحل الفينيقي.

فقد استخدمت السفن الفينيقية الأشرعة والمجاديف للوصول إلى مناطق بعيدة عن مدن الحضارة الفينيقية، مثل بريطانيا، وتوصل المؤرخون إلى هذا الاستنتاج بسبب وجود العديد من الأشياء التي أنتجها الفينيقيون هُناك، وكان السكان المحليون الآخرون الذين حافظوا على اتصال تجاري مع الفينيقيين من سكان قبرص، وكريت، واليونان، ومصر.

توسع الحضارة الفينيقية

بسبب المدى الطويل لتجارتهم، فقد طور الفينيقيون مستعمرات مختلفة في أجزاء مُتعددة من البحر الأبيض المتوسط، وتم إنشاء هذه المستعمرات بهدف الوصول الدائم إلى أسواق استهلاكية جديدة للمنتجات التي ينتجها الشعب الفينيقي، وكانت أنجح مستعمرة للفينيقيين هي مدينة قرطاج، والتي نافست قوة الإمبراطورية الرومانية بعد عدة قرون.

وكان النجاح الكبير للحضارة الفينيقية، هي أنهم استطاعوا صياغة أول شكل أبجدي مكتوب في تاريخ البشرية، ونشأت هذه الأبجدية، لحفظ سجلات تسويق البضائع، في حوالي عام 1100 قبل الميلاد.

ديانة الفينيقيين

المصادر عن الديانة الفينيقية محدودة للغاية، وبعض هذه المصادر يقول أن الفينيقيون كانوا مشركين، ويعبدون الأوثان، وكانت أسماء آلهتهم هي، عشتروت، بعل، يام، ملكارت، وقد كان لكل مدينة في فينيقيا إله راعي مختلف، مع معبد مخصص له.

وقد كانت هذه المعابد تدار من قبل كهنة كان لهم أيضاً أهمية كبيرة في مجتمعاتهم، وقد كرم الفينيقيون آلهتهم في أماكن مثل الغابات والجبال، وكان الفينيقيون يقدمون القرابين للآلهة، ويتم إجراؤها على مذابح القرابين المصنوعة من الحجر، وفي عبادة الإله عشتروت، مارست الكاهنات الدعارة المقدسة، كما كانت تُسمى.

انحطاط الحضارة الفينيقية

هذه المرحلة التي تميزت بنجاح التجارة البحرية للفينيقيين بدأت منذ عام 1500 قبل الميلاد، ووصلت إلى الذروة بين الفترة من عام 1200، حتى عام 800 قبل الميلاد، وفي غضون ذلك، اجتذب ازدهار الفينيقيين مختلف الشعوب الأجنبية الطامعة بهم، فأولاً، تم غزو المنطقة من قبل الكلدانيين، وبعد ذلك، من الفرس، أخيراً، في القرن الرابع قبل الميلاد، احتل المقدونيون المنطقة.

وكانت الحلقة الأبرز في سقوط الحضارة الفينيقية، هي الهجوم على مدينة صور، التي اجتاحها المقدونيون ونهبوها، فقد احتل الإسكندر المنطقة بعد انتصاره في “باتالها دي إيسو” عام 333 قبل الميلاد، وعلى الرغم من مقاومة مدينة صور، إلا أنها عانت من الحصار لمدة ثمانية أشهر لتسقط بعدها في يد هذا الملك المقدوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *