محمد أحمد كيلاني
الإسكندر الأكبر ملك مقدونيا الذي سمحت له غزواته ومهاراته العسكرية غير العادية، في أقل من عشر سنوات، بتشكيل إمبراطورية امتدت من اليونان ومصر إلى الهند، وكانت بداية ما يسمى بالفترة الهلنستية (القرنين الرابع والأول قبل الميلاد) في العصور القديمة.
بداية الإسكندر الأكبر
كان والده الملك فيليب الثاني ملك مقدونيا، وقد حوّل المنطقة التي كانت على حدود اليونان إلى مملكة قوية سيطرت على دول المدن اليونانية، وكان فيليب الثاني قد أعد إبنه للحكم، ووفر له الخبرة العسكرية وعهد بتدريبه الفكري إلى أرسطو، الذي أيقظ في الإسكندر الشاب إعجابه بالثقافة اليونانية والملاحم القديمة، بعد أن أثبت بالفعل شجاعته وخبرته في ساحة المعركة، وبالفعل خَلف الإسكندر والده، الذي اغتِيل عام 336 قبل الميلاد، وكان الإسكندر وقتها في سن العشرين فقط.
السنوات الأولى
أمضى الإسكندر الأكبر السنوات الأولى من حكمه في فرض سلطته على الشعوب الخاضعة لمقدونيا، والتي استغلت موت فيليب ليثوروا على إبنه، وعلى الفور (في عام 334 قبل الميلاد) أطلق جيشه ضد الإمبراطورية الفارسية القوية والواسعة النطاق و الإمبراطورية الأخمينية التي قد تم تأسيسها قبل قرنين من الزمان من قبل كورش الكبير، وبالتالي استمر في المشروع الذي بدأه والده قبل وفاته.
وبجيش صغير حوالي 30 ألف جندي من المشاة و 5 الآلاف من الفرسان، انتصر الإسكندر الأكبر على أعدائه، بفضل تنظيمه وتدريبه الممتازين، فضلاً عن الشجاعة والعبقرية الإستراتيجية التي أظهرها، وقدمت الإبتكارات العسكرية التي قدمها فيليب الثاني مزايا إضافية للأسكندر.
معارك الإسكندر الأكبر
قام الإسكندر بجولة منتصرة في آسيا الصغرى (معركة جرانيكوس، 334 قبل الميلاد)، سوريا (إيسوس، 333 قبل الميلاد)، فينيقيا (حصار صور، 332 قبل الميلاد)، مصر وبلاد ما بين النهرين (غوغاميلا، 331 قبل الميلاد)، حتى استولى على العواصم الفارسية سوسة (331 قبل الميلاد) و برسيبوليس (330 قبل الميلاد)، وقد اغتيل آخر إمبراطور فارسي وهو “داريوس الثالث” على يد بيسوس وهو أحد حكامه و حكام المقاطعات، لمنعه من الاستسلام، وقد واصل بيسوس المقاومة ضد الإسكندر في شرق إيران.
وبمجرد إحتلال عاصمة الفرس، قام الإسكندر بتسريح القوات اليونانية التي رافقته خلال الحملة وأعلن نفسه إمبراطوراً ، خلفاً للسلالة الأخمينية، وأطلق على الفور حملات غزو جديدة إلى الشرق وهزم وقتل بيسوس وأخضع بارثيا، وآريا، ودرنجيانا، وأراكوسيا، وباكتريا، وسوغديانا.
الإسكندر الأكبر وزواج الشرق مع الغرب
أراد الإسكندر الأكبر، مالك آسيا الوسطى وأفغانستان في ذلك الوقت غزو الهند (327-325 قبل الميلاد)، وكان لديه بالفعل مشروعاً للهيمنة على العالم، وعلى الرغم من أنه ضم الجزء الغربي من الهند، إلا أنه اضطر للتخلي عن الاستمرار في التقدم نحو الشرق بسبب تمرد قواته، المنهكة بسبب سلسلة طويلة من الفتوحات والمعارك.
ومع غزو الإمبراطورية الفارسية، اكتشف الإسكندر درجة حضارة الشرقيين، الذين كان يعتبرهم في السابق برابرة، ثم تصور فكرة توحيد الإغريق مع الفرس في إمبراطورية واحدة عاشوا فيها معاً في ظل ثقافة التوليف (عام 324 قبل الميلاد)، لهذا قام بدمج مجموعة كبيرة من الجنود الفارسيين في جيشه، ونظم في سوسة “زفاف الشرق مع الغرب” (زواج متزامن لآلاف المقدونيين مع نساء فارسيات) وتزوج هو نفسه من أميرتين شرقيتين، أميرة سغديانا وابنة داريوس الثالث.
الإمبراطورية الموحدة
وبدأت إعادة تنظيم تلك الإمبراطورية العظيمة بالتوحيد النقدي، الذي فتح الأبواب أمام إنشاء سوق ضخم، وتم تعزيز التنمية التجارية من خلال الحملات الجغرافية مثل تلك التي قادها “نيركوس”، والتي نزل أسطولها نهر السند وصعد الساحل الفارسي للمحيط الهندي والخليج الفارسي حتى مصب نهري دجلة والفرات.
كما تم بناء الطرق وقنوات الري، وتم الإندماج الثقافي حول فرض اليونانية كلغة مشتركة، وتم إنشاء حوالي سبعين مدينة جديدة، معظمها باسم الإسكندرية (المدينة الرئيسية في مصر وأخرى في سوريا وبلاد ما بين النهرين وسوغديانا، وباكتريا، والهند، وكرمانيا).
وفاة الإسكندر الأكبر
أدى موت الإسكندر المبكر عن عمر ناهز 33 عاماً، بسبب الملاريا، إلى منعه من ترسيخ الإمبراطورية التي أنشأها وإعادة إطلاق فتوحاته، وفي الواقع، لقد تدهورت إمبراطورية الأسكندر بعد وفاته، فقد اندلعت معارك الخلافة التي ماتت فيها زوجات الإسكندر وأولاده، حتى تم تقسيم الإمبراطورية بين جنرالاته.
وبعدها بدأ بطليموس، سلالة في مصر كان من المقرر أن تستمر حتى عصر كليوباترا، وكانت الدول الناتجة عن هذا التقسيم ما عُرف بالممالك الهلنستية، والتي حافظت على مدى القرون التالية على نموذج الإسكندر لنقل الثقافة اليونانية إلى الشرق، مع السماح للثقافات الشرقية بشكل غير محسوس باختراق البحر الأبيض المتوسط.
أقرأ أيضاً “الأكاديون” وأول إمبراطورية في العالم