محمد أحمد كيلاني
وُلد الدين المسيحي في عهد الإمبراطورية الرومانية، ولعدة قرون، توسع واكتسب القوة، وضم عدد كبير من الأتباع، وفي عام 313 حصل الدين المسيحي، على الطابع الرسمي من الحكومة الرومانية، وحصل أتباعه على حرية العبادة، وفي عام 391 أصبح الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية. ومع ذلك، فإن قوة الكنيسة تعززت فقط عندما تحولت الشعوب الجرمانية إلى الكاثوليكية.
وبهذا، نجت الكنيسة من تفكك الإمبراطورية الرومانية الغربية، وأصبحت بعد ذلك أقوى مؤسسة في عصرها.
قوة الكنيسة تزداد وتتشعب
في مجتمع مُجزأ، لم تضمن الكنيسة الكاثوليكية الوحدة الدينية فحسب، بل ضمنت أيضًا الوحدة السياسية والثقافية، وذلك من خلال السيطرة على الإيمان، فقد نظمت طريقة الولادة، والجنازة، والاحتفال، والتفكير، وباختصار رتبت وتحكمت في جميع جوانب حياة البشر في عالم القرون الوسطى.
ويُعد استنساخ لوحة الكنيسة والدولة، التي رسمها “أندريا دي فلورنسا”، بمثابة توضيح للتنظيم السياسي لعالم القرون الوسطى.
في زمن الكاتدرائيات
كانت الكنيسة الكاثوليكية أقوى مؤسسة في العصور الوسطى، وذلك في الوقت الذي كانت تُقاس فيه الثروة بمساحة الأرض، وأصبحت الكنيسة تمتلك ما يقرب من ثلثي الأرض في أوروبا الغربية، فكانت السيدة الإقطاعية الكبرى، وشاركت في علاقات السيادة والتبعية والسيطرة على القنانة للفلاحين.
وحتى اليوم، في مناطق مختلفة من أوروبا، يمكننا أن نشهد قوة الكنيسة الكاثوليكية، كما كانت في عالم القرون الوسطى، فالكاتدرائيات العظيمة التي بُنيت في القرنين، الثاني عشر والثالث عشر، هي مثال على هذه القوة.
“كاتدرائية كولونيا” هي مثال آخر على تلك القوة، وتقع الكنيسة في مدينة كولونيا الألمانية بالطبع، والكنيسة بُنيت على الطراز القوطي، وهي المعلم الرئيسي للمدينة، وبدأ بناء الكنيسة في القرن الثالث عشر واستغرق إكمالها أكثر من 600 عام.
ويبلغ ارتفاع البرجين فيها 157 مترًا، ويبلغ طول الكاتدرائية 144 مترًا وعرضها 86 مترًا، وعندما تم الإنتهاء منها في عام 1880، كانت أطول مبنى في العالم، في ذلك الوقت.
قوة الأساقفة متزامنة مع قوة الكنيسة
سيطر جميع الأساقفة على أجزاء كبيرة من الأرض، وفي الواقع، قد يعني كون الرجل أسقفًا، يعني أنه مُتحكم في الكثير من الثروة.
وذلك على عكس النبلاء الذين تقاسموا أصولهم عن طريق الميراث، والزواج، والنضال من أجل ملكية الأرض، فلقد جمعت الكنيسة ثروات فقط، لأن الخيرات لم تكن ملكًا للديانة، بل للمؤسسة نفسها.
وهكذا، استطاعت الكنيسة الكاثوليكية، بالاستفادة من نفوذها، أن تجمع ثروة مادية كبيرة، ومع نمو هذه الثروة، نأى رجال الدين الكبار، الذين يتألفون من أولئك الذين يشغلون مناصب عليا في الهيكل الهرمي الداخلي، للكنيسة، بأنفسهم عن الشؤون الدينية.
ومن خلال التحكم في كل من القوة الروحية والمادية، كانت الكنيسة مسؤولة إلى حد كبير عن الحفاظ على النظام الإجتماعي في العصور الوسطى.
إن شاء الله أن يكون البعض أسيادًا والبعض الآخر خدمًا بين الرجال، بحيث يُلزم السادة بتكريم الله ومحبته، ويلزم على العبيد أن يحبوا سيدهم ويكرمه.
القديس لود دي أنجيه
أقرأ أيضاً.. حرب “الثلاثين عاماً”.. عندما مَزقت أوروبا نفسها.. الأسباب والتاريخ