ثقافات

قبيلة التوراجا في إندونيسيا.. الأحياء والأموات يرقصون جنباً إلى جنب

محمد أحمد كيلاني

في هذا المنشور من مستبشر، نتعمق معكم داخل إحدى القبائل المعزولة، وهي قبيلة التوراجا، التي تقع في منطقة “تانا توراجا” في جزيرة سولاويزي الإندونيسية.

نبذة عن شعب التوراجا

كلمة توراجا تعني “الضيافة”، ويتبع شعب التوراجا كلا من المسيحية ودين الأجداد، وتدور حياة التوراجا اليومية حول “الموت”، فهم يقضون حياتهم بأكملها في توفير ما يكفي من المال لإرسال موتاهم إلى الآخرة بشكل صحيح، كما يزعمون.

الهندسة المعمارية لقبيلة التوراجا في إندونيسيا

لعلك شاهدت صور لبعض المنازل، التي تم صنعها على شكل قارب، والتي تسمى “تونغكونان” وهي المنازل التقليدية لقبيلة التوراجا، وكانت تعيش فيها الأسرة في السابق، وفي الوقت الحاضر، تحولت إلى رمز لتقليد التوراجا، لأنهم الآن عادة ما يكون لديهم منازل مثل المنازل الغربية.

وفيما يتعلق بهذا الشكل الذي يتم تصميم المنازل به، فيعتقد البعض أن السقف يمثل قرون الجاموس، وهو حيوان مقدس في ثقافة التوراجا، ويقول آخرون إنه يُمثل مقدمة السفينة ومؤخرتها، لأنه يقال في الأساطير الإندونيسية، إنه عندما وصلوا أفراد التوراجا الأوائل إلى سولاويزي، تحطمت قواربهم أثناء الرحلة، بسبب عاصفة، فاستخدموا القوارب المعطلة، كسقف لمنازلهم.

ويتم دائمًا صُنع المنازل حسب العشيرة، والوضع الإجتماعي مهم جدًا في ثقافة التوراجا، ومن الشائع جدًا رؤية قرون الجاموس تزين الجزء الخارجي من “التونجكونان”، وكلما زاد عددها، زادت المكانة الإجتماعية للعائلة.

وهناك أيضًا بناء نموذجي آخر يسمى “آلان” ويشبه تونغكونان، لكنه أصغر حجمًا ويستخدم فقط لتخزين الأرز.

طقوس الجنازة

سوف نتحدث في هذا الجزء عن الجانب الاكثر إثارة في ثقافة التوراجا، وهي طقوس الجنازة التي يقومون بها، فإنهم يعتقدون أنه بدون هذه الطقوس، ستتسبب روح المتوفى في سوء حظ لعائلته، هذه الاحتفالات ليست رخيصة الثمن، ولهذا السبب قد يستغرق الأمر عدة سنوات حتى يتمكنون من دفن رفات المُتوفي.

ويجب توضيح أن التوراجا لا يعتبرون المتوفين ميتين بل مرضى، ويسمونهم “توماكولا”، ولهذا يبقون على الأموات في المنزل لسنوات ويعاملون تمامًا مثل الأحياء، فهم يجلبون لهم الطعام والسجائر، ويغيرون لهم ملابسهم.

كيف يحافظ أفراد قبيلة التوراجا على جثث موتاهم؟

بالطبع ستتسائل، كيف لا يشموا رائحة الجثة؟ حسنًا إليك الإجابة، ففي هذه الأيام قد استخدموا بلسمًا مصنوعًا من الأوراق والجذور، ويغطوا ملابس وتابوت المتوفى بهذا الخليط، وكذلك الفم، واليوم لا يزال يتم القيام بتلك العملية، في المناطق الجبلية والمدن الأصغر.

وعادة ما يُحقن المُتوفي، بمادة “الفورمالين”.

وبمجرد أن تتمكن الأسرة من ادخار ما يكفي من المال، يتم تحديد تواريخ الإحتفال، ويستدعون جميع أفراد العائلة القريبين والبعيدين.

ويتم بناء مبانٍ مؤقتة من الخيزران، حيث تقام فيها كل الاحتفالات.

حفلات الجنازة

الجزء الأول من طقوس جنازة قبيلة التوراجا هو “رامبو توكا”، وهو يتألف من إعلان وفاة الشخص المتوفى رسميًا، ويضعوا التابوت في قالب على شكل قارب، ويقومون بمسيرة حول المدينة.

ويتم ذبح الجاموس أمام الجسد، وبهذه الطريقة، يتم الإعلان عن الوفاة الرسمية للشخص، وهذه العملية تُسمى “تونغكون”.

قتال الجاموس والتضحيات والرقصات التقليدية

يمكن أن يستمر الجزء الثاني من الطقوس لمدة تصل إلى 5 أيام، ويتم ذبح الجاموس والخنازير، وهناك رقصات تقليدية، وبعض التقاليد الأخرى، مثل معارك الديك، والجواميس.

وأيضًا الرقصات والتي تُسمى “مابادونج”، وهذه الرقصات والأناشيد، يقوم بها الرجال، حتى تساعد أرواح الموتى على الوصول إلى الجنة.

وشيء آخر تقوم به الأسرة لمساعدة المتوفى في الوصول إلى الجنة، هو ذبح الكثير من الجواميس والخنازير، كما ذكرنا، وسوف تتساءل لماذا كل هذه الحيوانات؟

فبصرف النظر عن كونه رمزًا للمكانة والثروة والسلطة، يعتقد أفراد قبيلة التوراجا أن الجاموس هو الذي ينقل روح المتوفى إلى “المطهر”، حيث سيتم الحكم عليه، وهذا يعتمد على ما تقوم به الأسرة في طقس الجنازة، أي أن ما يتم خلال طقوس الجنازة، هو مايحدد أين ستذهب روح المتوفي، سواء إلى الجنة أو الجحيم.

والخنازير هي التي تقود الجواميس في طريقها إلى المطهر.

وكلما ارتفعت الحالة الإجتماعية للإنسان، كلما زاد ذبح الحيوانات، وعادة ما يتم ذبح ما بين 20 و 50 جاموس ومئات الخنازير، والرجال هم المسؤولون عن ذبح الحيوانات.

ويمكن أن يتراوح سعر الجاموس من 500 إلى 18000 دولار.

جنازات قبيلة التوراجا عبارة عن حفلات

في الجنازات الكبيرة، يبث المذيع عبر ميكروفون كل ما يحدث، كما يقدم العائلات ويعلن العروض.

وكما قلنا من قبل، فإنهم يجرون أيضًا مصارعة الديوك ومعارك الجاموس، وفي ألعاب الجاموس، يراهن الناس بالمال، تمامًا كأنه إحتفال.

اللوكوماتا.. ودفن الجثة

الجزء الأخير من الطقوس، هو دفن جثة المتوفي، وما يفعلونه هو حمل التابوت من المنزل إلى القبر، ويتم دفن الموتى مع ممتلكاتهم، لأنهم يعتقدون أنه سوف يستخدمها في الآخرة.

وتتسبب هذه العادة في نهب المقابر، ولهذا بدأ بعض أفراد التوراجا، الحفر في أعالي الجبال، من أجل البُعد عن اللصوص، وتسمى هذه المقابر لوكوماتا، “lokomata”.

معتقدات وممارسات أخرى للتوراجا.. الاحتفالات لا تنتهي

طقوس الجنازة لا تنتهي هنا، فبعد حوالي 20 أو 30 عامًا من الدفن، تقام مراسم تُعرف باسم “مانين” (Ma’nene)، والتي تعني “تطهير الموتى”، ويتم خلالها، إخراج الموتى من القبور وتغيير ملابسهم وقضاء الوقت معهم، ويتحدثون معهم، حتى أنهم يأخذون “صور السيلفي” معهم، كما لو كانوا أحياء.

كامبيرا.. مقابر الأطفال داخل الأشجار

ممارسة أخرى، وهي الطريقة التي يدفنون بها الأطفال الصغار الذين ماتوا، ويعتقد أعضاء قبيلة التوراجا أن كل ما يأتي من الطبيعة يجب أن يعاد إليها، ولهذا السبب، يتم دفن الأطفال الذين يموتون قبل ظهور أسنانهم الأولى، داخل شجرة “مقدسة”.

وتخلق هذه الشجرة مادة بيضاء بالنسبة لهم ترمز إلى حليب الأم، وتمنح هذه المادة القوة لأرواح الأطفال المدفونين، حتى يتمكنوا من الصعود إلى قمة الشجرة، وبالتالي يتمكنون من الوصول إلى الجنة، وتُعرف هذه المقابر الطبيعية، داخل الأشجار، باسم كامبيرا.

أقرأ أيضاً.. “طائر الفينيق الأسطوري” له القدرة على النهوض بعد الموت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *