محمد أحمد كيلاني
السحب أو دورة المياه هي عملية تنطوي على عوامل فيزيائية وبيولوجية، فيتكثف بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي ليشكل سحبًا، ويترسب على شكل أمطار أو ثلج أو برد، ويسقط على الأرض، ثم يجري إما على السطح أو في باطن الأرض إلى البحر، ومن أي مكان من تلك الأماكن يتبخر ويتجدد الجو ببخار الماء، وهكذا، ولكن ما دور الأشجار في تكوين السحب، هذا ما نتعرف عليه في هذا الموضوع من موقع مستبشر.
دور الأشجار في تكوين السحب
بالطبع، الدورة ليست بهذه البساطة، وتقدم تفاصيل تسمح لنا بالخوض في بعض الجوانب، وواحد منهم لها علاقة بالنباتات.
لأن النباتات، وخاصة الأشجار، تمتلك القدرة امتصاص الماء المحتجز في التربة، ونقله إلى الأوراق، حيث يتبخر.
وتعمل هذه الطريقة، المعروفة باسم التبخر، على تسريع إطلاق المياه الجوفية، التي تتحرك عادة ببطء شديد، وتعيد شحن الغلاف الجوي بسهولة أكبر، مما يغذي دورة المياه.
بالإضافة إلى ذلك، فهو يعدل البيئة، ويسهل عملية التكثيف.
وبأخذ ما سبق بعين الاعتبار يمكننا القول منذ البداية أن الأشجار تساعد على زيادة الرطوبة النسبية في الهواء، وبالتالي تساعد على تكون السحب.
إلا أن هناك عوامل أخرى تدخل في تكثف السحب، بالإضافة إلى وجود بخار الماء في الغلاف الجوي ودرجة حرارته.
كيف تتكون السحب؟
وخلافًا للاعتقاد الشائع، فإن السحابة ليست بخارًا غير مرئي، ولكنها عبارة عن تراكم قطرات صغيرة أو بلورات ثلجية تظل معلقة في الهواء، ولذلك، لكي تتشكل السحابة، يجب استيفاء عدة شروط.
فمن الضروري أن يتمتع الهواء برطوبة نسبية عالية، بعد ذلك، بخار الماء ضروري لحدوث التكثيف وتشكل تلك القطرات الصغيرة، وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يحدث تغيير في الظروف الجوية المحلية.
ويتمتع الهواء بقدرة أكبر على الاحتفاظ بالرطوبة كلما ارتفعت درجة الحرارة، فإذا فقد الهواء الرطب جدًا الحرارة، فإنه يفقد قدرته على الاحتفاظ بتلك الرطوبة، ويتكثف بخار الماء الذي لم يعد قادرًا على الاحتفاظ به.
ولهذا السبب، عندما تصطدم كتلة من الهواء الحار الرطب بسلسلة جبلية، أثناء صعودها، فإنها تبرد بسرعة، ويتكثف البخار مكونًا السحب.
ولكن هناك عنصر أساسي آخر في تكوين القطرات أو البلورات التي تشكل السحابة، وهي “نوى التكثيف” والتي تعتبر رذاذ، أي جزيئات صغيرة تتكون من الغبار أو الجراثيم أو الأملاح أو المواد البلاستيكية الدقيقة أو قطرات صغيرة من مواد متطايرة جزئيًا، ولها قدرة استرطابية، أي أنها تحتفظ بجزيئات الماء.
ويتم دمج المزيد والمزيد من الماء حول نوى التكثيف، وبالتالي تشكيل قطرات أكبر بشكل متزايد، في عملية تسمى النواة.
ومن الممكن ملاحظة آثار هذه العملية إذا كنت تعرف أين تبحث، فعند تقطيع أو كسر حجر البَرَد من عاصفة برد، يمكنك أحيانًا رؤية نوع من حلقات النمو المصغرة، التي تذكرنا بالحلقات الموجودة على جذع الأشجار.
وتُظهر هذه الحلقات الطبقات المتعاقبة التي تكثفت على الكرة الجليدية، من نقطة البداية في المركز، لتشكل بردًا أكبر بشكل متزايد، وفي وسط البرد سيكون هناك جسيم مجهري كان يعمل في الأصل كنواة تكثيف.
تنبعث من الأشجار نوى التكثيف
كما ذكرنا، تلعب الأشجار دورًا مهمًا في عملية دورة المياه، ومع ذلك، فإن مشاركتها في تشكيل السحابة تذهب إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير.
فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها لبنى دادا وزملاؤها من معهد بول شيرير في فيليجن بسويسرا، عن التأثير الكبير للسيسكيتربينات، وهي مركبات كيميائية تطلقها الأشجار، على عملية تكوين جزيئات جديدة في الغلاف الجوي، والتي يمكن أن تؤدي وظيفتها كنواة التكثيف.
ومن بين هذه السيسكويتيربينات، يبرز “بيتا كاريوفيلين”، الذي تم تحديد دوره باعتباره حاسمًا في ديناميكيات الغلاف الجوي.
والسيسكيتربينات هي جزيئات عضوية متطايرة تنبعث بشكل طبيعي من النباتات، وقد تم التقليل من مساهمتها في تكوين جزيئات الغلاف الجوي مقارنة بالهباء الجوي الآخر، ومع ذلك، فإن نتائج هذه الدراسة، المنشورة في مجلة “تقدم العلوم” (Science Advances)، تكشف عن الدور الأساسي للسيسكيتربينات، خاصة بسبب كتلتها الجزيئية العالية.
فعندما تطلق الأشجار السيسكيتربينات، مثل، فإنها تتأكسد في الغلاف الجوي وتولد مركبات عضوية منخفضة التطاير للغاية، وتتمتع هذه الجسيمات باسترطابية قوية، وبالتالي تسهل عملية التكثيف بشكل كبير، وبالتالي تساهم في تكوين السحب.
وهكذا، تظهر الغابات بشكل غير متوقع في ديناميكيات الغلاف الجوي، تؤدي الأشجار، مع إطلاقها للسيسكيتربينات وعملية التبخر، إلى تحفيز عمليات تكوين السحب من تلقاء نفسها.
وهذه حقيقة توضح لنا أن العلاقة بين ديناميكيات الغلاف الجوي والحياة النباتية أكثر حميمية مما كنا نعتقد، علاقة حميمة يتردد صداها في كل قطرة مطر ليبرز دور الأشجار في عملية اذلية عمرها بعمر كوكب الأرض.
أقرأ أيضاً.. أقدم شجرة على الأرض.. “الجد الأكبر”