محمد أحمد كيلاني
تناول رينيه ديكارت، الذي ربما يكون أحد أعظم الفلاسفة في كل العصور، المسألة الأخلاقية في العديد من أعماله، على الرغم من أنه لم يتعامل مع السعادة بشكل شامل مثل بعض الفلاسفة الآخرين في ذلك الوقت،ومع ذلك، يمكننا الحصول على بعض الأفكار حول وجهة نظر ديكارت عن السعادة من خلال كتاباته وفلسفته بشكل عام.
ومن وجهة نظر فيلسوف القرن السابع عشر هذا، فإن السعادة ليست مجرد عاطفة عابرة أو حالة ذهنية ممتعة، ولكنها مرتبطة بحياة صادقة، وقبل كل شيء، بممارسة العقل، وفي كتابه “خطاب حول المنهج”، يؤكد ديكارت أن السعادة الحقيقية تكمن في السعي وراء المعرفة، وينص على أن العقل هو الطريق إلى الحقيقة وأن المعرفة، وبالتالي، هي المفتاح لعيش حياة مرضية حقا.
مفهوم السعادة حسب ديكارت
يتناول ديكارت أيضًا هذه القضية فيما يتعلق بالحرية والإرادة الحرة، في كتابه “تأملات ميتافيزيقية”، يرى أن حرية الاختيار ضرورية للرضا عن الحياة، ومن المفهوم أنه بالنسبة لديكارت، فإن القدرة على الاختيار والتصرف وفقًا للعقل والأخلاق هي ما يسمح لنا بأن نعيش حياة كاملة ومرضية.
ويترتب على فكر هذا الرجل الحكيم أن السعادة لا ينبغي أن تتوقف على الظروف الخارجية، بل يجب أن تكون موجودة في النفس، ويؤكد في كتاباته على أهمية التأمل الذاتي والاستبطان كوسيلة لتحقيق حياة مرضية بشكل أصيل.
ومن هنا يستنتج أن السعادة تنطوي على نوع من الانسجام الداخلي وطمأنينة الروح التي لا تتأثر بالتغيرات الخارجية أو تقلبات الحياة.
السعادة في فلسفة ديكارت
وبحسب تفسير مارفن سيباستيان إسترادا، الباحث في جامعة ديل نورتي (كولومبيا)، يقدم ديكارت طريقة جديدة لفهم السعادة، مع التركيز على حالة الرضا ورضا العقل، ويختلف هذا المنظور عن المفهوم التقليدي للفلاسفة الكلاسيكيين الذين ربطوه بنوع من الحياة أو اعتبروه خيرًا في حد ذاته.
وليس عبثًا أن يقدم ديكارت تفكيره الخاص حول هذه المسألة والخير الأسمى، مقترحًا إصلاح هذا النموذج، ويسلط سيباستيان إسترادا الضوء على الفرق الذي أسسه ديكارت بين السعادة والخير الأسمى، وبينما احتلت السعادة في النموذج التقليدي (اليوداموني) مكانة الخير الأسمى، يقترح ديكارت تفسيرًا جديدًا من خلال فصل هذه المفاهيم.
وهكذا، كان ديكارت يؤكد أن الفضيلة، كونها أعظم خير للفرد، تشكل الهدف النهائي لأفعالنا، ونهج من شأنه أن يعطي الأولوية للبحث عن الفضيلة وممارستها كهدف أساسي في حياة الناس، وعلى الرغم من أن ديكارت قد يعتبر الفضيلة هي الخير الأعظم، إلا أنه كان سيدرك أيضًا أن ممارستها تؤدي إلى رضا العقل وإشباعه، لذلك، يمكن أيضًا اعتبار السعادة نهاية لأعمالنا.
أبو الفلسفة الحديثة
ولد رينيه ديكارت بالقرب من تور (فرنسا)، وتوفي في ستوكهولم (السويد)، ويعتبر هذا الفيلسوف وعالم الرياضيات والعالم الفرنسي من الآباء المؤسسين للفلسفة الحديثة والرياضيات الحديثة.
تلقى ديكارت تعليمه اليسوعي في الكلية الملكية في لا فليش، حيث درس الرياضيات والعلوم الطبيعية والمنطق والفلسفة.
وبعد الانتهاء من دراسته، التحق ديكارت بالجيش وسافر في جميع أنحاء أوروبا، حيث أتيحت له فرصة التعرف على بعض أبرز المفكرين في عصره.
السعادة بحسب فلسفة ديكارت
في عام 1628، تقاعد هذا المفكر المؤثر إلى هولندا، حيث قضى معظم حياته مكرسًا للبحث والكتابة، وفي هذا الوقت نشر أهم أعماله، بما في ذلك “خطاب حول المنهج” عام 1637، و”تأملات ميتافيزيقية” عام 1641، و”مبادئ الفلسفة” عام 1644.
وأحد أبرز جوانب فلسفة ديكارت هو تأكيده على الشك المنهجي وبحثه عن أساس متين للمعرفة، وفي كتابه الشهير “أنا أفكر، إذن أنا موجود” (Cogito, ergo sum)، أثبت ديكارت أن وجود الفكر لا شك فيه ويعمل كأساس لليقين في وجود الذات.
ولكن بالإضافة إلى عمله الفلسفي، قدم ديكارت أيضًا مساهمات مهمة في الرياضيات، وخاصة في تطوير الهندسة التحليلية، وقدم في عمله “الهندسة” عام 1637، فكرة تمثيل الأشكال الهندسية بإحداثيات عددية، والتي أرست الأساس لحساب التفاضل والتكامل المتناهي الصغر والهندسة الديكارتية.
وتوفي ديكارت عام في خمسينيات القرن السابع عشر بالعاصمة السويدية، حيث كان ضيفًا على الملكة كريستينا، وعلى الرغم من وفاته المفاجئة، إلا أن إرثه لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، ويمتد تأثيره عبر الفلسفة والرياضيات والعلوم والثقافة بشكل عام.
أقرأ أيضاً.. كيفية تحقيق السعادة عند الفيلسوف اليوناني أبيقور “الملعون”