شهدت الانتخابات الإسبانية في نوفمبر 1933، التي كانت الأولى في تاريخ إسبانيا التي سمح فيها للنساء بالمشاركة في التصويت، تحولات جذرية في المشهد السياسي الإسباني. حيث برز حزب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي (CEDA) بقيادة خوسيه ماريا جيل روبلز كقوة صاعدة، في حين تراجعت قوى اليسار بشكل كبير، مما أدى إلى تغيرات عميقة في توازن القوى السياسية، هذا المقال من موقع مستبشر يستعرض بالتفصيل الأحداث والتداعيات السياسية والاجتماعية التي نتجت عن تلك الانتخابات، وتأثيرها على مسار الجمهورية الثانية في إسبانيا.
الانتخابات الإسبانية عام 1933.. السياق التاريخي
قبل الدخول في تفاصيل الانتخابات، من المهم فهم السياق الذي جرت فيه. الجمهورية الثانية في إسبانيا، التي تأسست في أبريل 1931، كانت تعيش فترة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية الواسعة التي شملت حقوق العمال، والإصلاح الزراعي، والحد من نفوذ الكنيسة الكاثوليكية، وهذه الإصلاحات واجهت معارضة شديدة من الطبقات المحافظة والكنيسة، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين اليمين واليسار في البلاد، وفي هذا السياق المتوتر، جاءت انتخابات 1933 كفرصة للطرفين لإعادة تشكيل المشهد السياسي الإسباني.
تفاصيل الانتخابات الرئاسية الإسبانية عام 1933
في انتخابات نوفمبر 1933، التي شارك فيها 6.8 مليون ناخب، حقق حزب “الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي” (CEDA) فوزًا ساحقًا بـ 115 مقعدًا في الكورتيس، مما جعله القوة السياسية الأكبر في البلاد. هذا الفوز كان بمثابة انتصار لليمين الإسباني بعد فترة من سيطرة اليسار. من جانب آخر، شهد حزب العمل الجمهوري بقيادة مانويل أثانيا انهيارًا، حيث تراجع عدد مقاعده من 28 إلى خمسة فقط، وهذا التراجع كان دليلاً على فقدان الثقة في الحكومة اليسارية وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات بشكل فعال.
كما انخفض عدد مقاعد الاشتراكيين من 115 إلى 58 نائبًا، مما أدى إلى تراجع تأثيرهم السياسي، بالمقابل، حصل راديكاليون ليروكس على 104 مقاعد، مما جعل البرلمان يميل نحو اليمين بشكل كبير.
النساء والانتخابات
الانتخابات الإسبانية لعام 1933 كانت مميزة أيضًا بأنها الأولى التي شاركت فيها النساء بالتصويت. هذا الإنجاز جاء بعد نضال طويل من أجل حقوق المرأة في إسبانيا، وقد أثار جدلاً واسعًا بين مختلف الأطياف السياسية. بينما كان اليسار يدعم بشكل عام حقوق المرأة، كانت هناك مخاوف من أن تصويت النساء قد يميل لصالح اليمين المحافظ، وهو ما تحقق بالفعل، ودعم النساء لحزب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، الذي كان يتمتع بعلاقات قوية مع الكنيسة الكاثوليكية، ساهم بشكل كبير في نجاحه الانتخابي.
الوضع السياسي بعد الانتخابات الإسبانية عام 1933
على الرغم من فوز الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، تم تكليف أليخاندرو ليروكس من الحزب الجمهوري الراديكالي بتشكيل الحكومة. هذا القرار كان نتيجة لرفض جمهوري واسع لحزب (CEDA)، الذي كان يعتبره العديد من السياسيين الجمهوريين تهديدًا للديمقراطية الوليدة في إسبانيا، ومع ذلك، ظل تأثير جيل روبلز واضحًا، حيث سعى للوصول إلى السلطة بأي وسيلة، حتى لو تطلب الأمر تحويل إسبانيا إلى دكتاتورية على غرار البرتغال والنمسا.
تحليل تأثير حزب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي
حزب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، الذي نشأ كرد فعل على الإصلاحات اليسارية، كان يهدف إلى إعادة تأكيد القيم الكاثوليكية والمحافظة في المجتمع الإسباني. قادته رؤيتهم لإسبانيا كدولة يجب أن تكون فيها الكنيسة الكاثوليكية والجيش حجر الزاوية، مما أثار مخاوف بين الليبراليين والجمهوريين من احتمال تحول البلاد إلى دكتاتورية. تأثير حزب CEDA في الحكومة، رغم عدم توليه رئاسة الحكومة بشكل مباشر، كان واضحًا في محاولة الحد من الإصلاحات السابقة وإعادة الأمور إلى نصابها التقليدي.
تداعيات الحكم الراديكالي
شهدت فترة السنتين الراديكالية محاولات لتعديل الإصلاحات السابقة التي قامت بها الحكومة اليسارية، تحت ضغط الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، بدأ ليروكس في مراجعة الدستور وإلغاء العديد من الإصلاحات الزراعية والاجتماعية التي كانت تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومع ذلك، لم يستجب ليروكس بشكل كامل لمطالب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، مما أدى إلى انقسامات داخل حزبه واستقالات عديدة. هذه الانقسامات أضعفت الحكومة وجعلتها غير قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة من اليسار المتطرف واليمين المتشدد على حد سواء.
الانتخابات الإسبانية 1933.. االثورات والإضرابات
تزامنت هذه الفترة مع تزايد التوترات الاجتماعية والسياسية، مما أدى إلى اندلاع العديد من الثورات والإضرابات في جميع أنحاء البلاد، ومن أبرز هذه الأحداث كان إضراب أكتوبر 1934، الذي بدأ كرد فعل على سياسات الحكومة وتم التعامل معه بقبضة من حديد، مما أدى إلى مواجهات مسلحة في بعض المدن. ومع ذلك، كان التمرد الأكبر في منطقة أستورياس، حيث تحول الصراع إلى مواجهة شاملة شبيهة بالحرب الأهلية، وأسفر عن مقتل آلاف الأشخاص. هذه الأحداث كانت بمثابة مقدمة للحرب الأهلية التي ستندلع بعد سنوات قليلة.
وقد انتهت هذه الفترة المضطربة بإجراء انتخابات جديدة في فبراير 1936، حيث فاز اليسار الجمهوري بفارق ضئيل ضمن تحالف الجبهة الشعبية. هذا الفوز أعطى اليسار فرصة جديدة لمحاولة تنفيذ الإصلاحات التي تم التراجع عنها خلال فترة حكم الراديكاليين.
ولكن على الرغم من هذا الانتصار الانتخابي، كانت إسبانيا تسير بخطى ثابتة نحو الهاوية، حيث تزايدت التوترات بين الفصائل المختلفة بشكل لم يترك مجالًا للتسوية، وفي نهاية المطاف، كانت هذه الانتخابات بمثابة بداية النهاية للجمهورية الثانية في إسبانيا، حيث بدأت تظهر بوادر الحرب الأهلية التي ستغرق البلاد في صراع دموي استمر لسنوات.
الانتخابات الإسبانية لعام 1933 ليست مجرد حدث انتخابي عابر، بل كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ إسبانيا، وقد فقد كشفت هذه الانتخابات عن الانقسامات العميقة في المجتمع الإسباني، بين اليمين واليسار، وبين القوى المحافظة والتقدمية.
ومن خلال فوز حزب الاتحاد الإسباني الكاثوليكي لحقوق الحكم الذاتي، تم وضع الأسس لصراع دموي مستقبلي سيكون له تأثيرات مدمرة على البلاد. ما حدث في عام 1933 كان بداية لانهيار الجمهورية الثانية، وظهور الحرب الأهلية التي غيرت مجرى التاريخ الإسباني إلى الأبد.
أقرأ أيضاً.. السفينة الشراعية الإسبانية.. وجه الهيمنة الإمبراطورية