جهاد مصطفى
موكب مهيب امتد من مصر لبغداد، و كنوز لم يسمع أحد عنها من قبل، و قصور شيدت فقط من أجل استراحة العروس المنتظرة، و إحتفالات أقيمت لعدة أيام، وكانت تلك أبرز معالم “أكبر زفاف” شهده التاريخ الإسلامي، فمن هي تلك العروس المعروفة بقطر الندى، والتي أصبح زفافها بمثابة حكاية أسطورية تُروى عبر التاريخ والحكايات الشعبية.
نشأة الأميرة قطر الندى و نبوءة زواجها
كانت تلك العروس هي الأميرة “أسماء بنت خماروية بن أحمد بن طولون ” والدها هو الخليفة الحاكم لمصر، وجدها هو الخليفة “أحمد بن طولون” و لقبت تلك الأميرة الصغيرة بإسم “قطر الندى” ( بالإنجليزية – Qatr al-Nada) و يقال أنها سُميت بذلك لشدة جمالها و ادبها و رقتها.
وقد نشأت الأميرة داخل القصور و كانت محبة لوالدها و من أقرب الأبناء إلى قلبه.
وقد ذكر الكاتب “محمد سعيد العريان” في كتابه”قطر الندى” الذي يروي قصة الأميرة، أنه في فترة طفولتها، قصت مرضعتها رؤية على والدها الخليفة”خماروية”، وهي الرؤية التي تحققت فيما بعد.
صراع على الزواج من قطر الندى
كان الخليفة”خماروية” و من قبله والده”أحمد بن طولون” في صراع مع الدولة العباسية من أجل الانفراد بحكم مصر.
و لتجنب الخيار العسكري تم الإتفاق على دفع ضرائب للدولة العباسية و ذلك أثناء ولاية الخليفة العباسي” الموفق بالله” و لكن بعد وفاته قام إبنه الخليفة العباسي”أحمد المعتضد بالله” بنقض هذا الإتفاق و حاول حشد الجيوش ضد “خماروية” ولكن استطاع خمارويه هزيمته و كاد أن يدخل بغداد.
وقام “خماروية” بعرض تصالح مع”المعتضد بالله” و دفع الضرائب مرة أخرى و ذلك لانه يرغب في تعزيز تواجده على رأس السلطة في مصر، و من أجل ذلك عرض على الخليفة العباسي أن يوطد العلاقات بزواج أبنته “قطر الندى” من ابنه “علي” بعد أن قام”خماروية” بفسخ خطبتها من قائد جيوشه “أبا عبد الله بن سعد”، و لكن الخليفة العباسي رفض و قرر انه هو من سيتزوج من الأميرة رغم فارق السن الكبير بينهما حيث أنه كان قد تجاوز الخمسين عام بينما هي في الرابعة عشر من عمرها، ووافق والدها في سبيل الحفاظ على السلطة.
زفاف أسطوري و تاريخي لم يحدث من قبل
و من أجل التعويض عن أبنته اقام والدها حفل زفاف هو الأكبر و الأطول و الأشهر في التاريخ الاسلامي كله، حيث قام بافراغ خزينة الدولة من اجلها.
وقدم الخليفة العباسي مهرًا للعروس مليون درهم فضي، لكن والدها قام بارسال جهاز العروس بما يساوي مليون دينار ذهبي، وأوكل “خماروية” مسئولية تجهيز العروس لابن الجصاص” الذي كان من أشهر تاجري الجواهر في بغداد.
موكب العروس قطر الندى
وتكون موكب العروس من زرافة في المقدمة يتبعها حصان أشهب يحمل صندوقان مطليان بالذهب محملين بالجواهر، يتبعهم عشرون فرسًا عليهم سروج محلاة بالذهب والجواهر، وعليها فرسان يرتدون الديباج وأحزمة ذهبية وبايديهم حراب من فضة، يتبعهم عشرون جمل محملين بالذهب، والزمرد، وكنوز لم يرى مثلها من قبل، و كان من ضمن جهاز العروس دكة من الذهب الخالص تضع عليها قدمها قبل أن تدخل غرفتها، و مائة هاون من الذهب يدق فيها العود، والطيب، وألف مبخرة من الذهب الخالص، وايضًا 1000 تكة، وهي السروال الحريمي المصنوع من خيوط من الذهب و الفضة ثمنهم عشرة آلاف دينار.
واقام لها والدها على كل مرحلة من مراحل الطريق قصور شُيدت لها خصيصًا لتستريح بها مشابهه لقصرها في مصر، حتى لا تشعر الأميرة بالغربة، و كان يرافقها في هذه الرحلة عمها، ومربيتها، وأبن الجصاص، حيث ذَكر أبن كثير أن خماروية بعد أن اتم تجهيز أبنته، أعطى أبن الجصاص المزيد من النقود ليشترى للأميرة من بغداد ما لم يجده في مصر و يضيفه لجهاز العروس، و كافأه بمبلغ أربعمائة ألف دينار نظير مجهوده!.
ووصلت الأميرة إلى بغداد يوم عيد الفطر وأقامت في قصر”صاعد” في بغداد، وأضِيئت بغداد بآلاف الشموع والمشاعل واستمرت الاحتفالات بقدومها عدة أيام داخل القصر، وأصبحت الزوجة المفضلة لدى الخليفة العباسي بعد أن أحبها هو و شعبه.
نهاية مأساوية للأميرة ووالدها والدولة الطولونية
توفيت الأميرة في سن صغير، وذلك عندما بلغت عامها الثاني والعشرون، بعد أن اشتد بها المرض، ودُفنت بجانب والد زوجها في العراق، و توفي أيضًا والدها بعد وفاتها بوقت قصير و قتل اخويها جيش، وهارون، وأفلست الدولة بسبب هذا الزفاف مما أدى إلى تدهور الأحوال الإقتصادية، وتولى بعد “خماروية” الحُكم أخوه، الذي آثر على عدم العدواة من الدولة العباسية، وقام بإعادة الولاية لهم مرة أخرى مما أدى إلى نهاية الدولة الطولونية في مصر.
أقرأ أيضاً.. الإسكندر الأكبر.. طغى ملوك العالم وهزمته الملاريا