في السنوات الأخيرة، شهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورات هائلة، خاصة في محاكاة وظائف الدماغ البشري، أحد أبرز هذه التطورات هو السعي نحو تطوير الخلايا العصبية الاصطناعية لتحاكي المشابك العصبية باستخدام مواد متقدمة. تهدف هذه الجهود إلى إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة وقدرة على التعلم والتكيف.
الممرستور.. ذاكرة المقاومة
الممرستور (Memristor) هو عنصر إلكتروني يمتلك خاصية فريدة تتمثل في تغيير مقاومته مع تغير الجهد المطبق عليه، والاحتفاظ بهذه المقاومة حتى بعد انقطاع التيار. هذه الخاصية تجعل الممرستور مشابهًا لوظيفة المشابك العصبية في الدماغ البشري، حيث يمكنه تعزيز أو تقليل الاتصال بين الخلايا العصبية بناءً على النشاط الكهربائي. تُستخدم مواد فيروكهربائية (Ferroelectric) ذات استقطاب ذاتي في تصنيع الممرستورات، مما يسمح بضبط المقاومة المتغيرة للتشابك العصبي الاصطناعي.
الخلايا العصبية.. شبكات الأسلاك النانوية.. تقليد البنية العصبية
ابتكر الباحثون شبكات من أسلاك الفضة النانوية ذاتية التنظيم، يبلغ عرضها حوالي واحد في الألف من عرض شعرة الإنسان. تتشابه هذه الشبكات مع الشبكات العصبية البيولوجية في الدماغ، حيث يمكنها التعلم والتذكر بفضل التفاعلات الكهربائية بين الأسلاك النانوية، عند تحفيزها بإشارات كهربائية، تنقل الأيونات عبر الطبقة العازلة إلى سلك نانوي مجاور، مما يغير من مقاومة الأسلاك ويعكس عملية التعلم. تُظهر هذه الشبكات سلوكًا مشابهًا للتعلم والذاكرة في الدماغ البشري، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا.
الخلايا العصبية.. المحوسبة الكيميائية العصبية.. خطوة نحو الذكاء الاصطناعي
في خطوة مبتكرة، تمكن العلماء من تطوير أول حاسوب كيميائي عصبي يعتمد على تفاعل بيلؤوسوف-جابوتينسكي الكيميائي. يعمل هذا الجهاز على غرار مبدأ عمل الشبكات العصبية في الدماغ، حيث يتكون من مذبذب دقيق بحجم حوالي 0.1 ملم، ويهدف هذا الابتكار إلى إنشاء “دماغ كيميائي” قادر على تنفيذ مهام معقدة والتكيف مع البيئات المختلفة، مما يقربنا من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي ذات قدرات مشابهة للبشر.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من هذه التطورات المذهلة، لا تزال هناك تحديات تقنية وعلمية يجب تجاوزها لتحقيق محاكاة كاملة لوظائف الدماغ البشري. تشمل هذه التحديات تحسين كفاءة الممرستورات، وزيادة تعقيد شبكات الأسلاك النانوية، وتطوير مواد جديدة تحاكي الخصائص البيولوجية للخلايا العصبية. مع استمرار البحث والتطوير في هذا المجال، من المتوقع أن نشهد تقنيات جديدة تحدث ثورة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة العصبية.
يمثل تطوير الخلايا العصبية الاصطناعية ومحاكاة المشابك باستخدام مواد متقدمة خطوة هامة نحو إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي تحاكي القدرات البشرية. من خلال الاستفادة من خصائص الممرستورات، وشبكات الأسلاك النانوية، والحوسبة الكيميائية العصبية، يقترب العلماء من تحقيق رؤى جديدة في فهم الدماغ البشري وتطوير تقنيات مستقبلية مبتكرة.
اقرأ أيضًا.. اكتشاف أسرار الدماغ البشري.. بين الغرور والرضا
