محمد أحمد كيلاني
“الإنسان هو مقياس كل شيء” هي عبارة للسفسطائي “اليوناني بروتاغوراس” ( بالانجليزية – Protagoras) وهي مبدأ فلسفي، يعتبر الإنسان بموجبها معيارًا لما هو حقيقي لنفسه، مما يعني أيضًا أن الحقيقة مرتبطة بكل شخص.
كيف وصلت عبارة “الإنسان هو مقياس كل شيء” إلينا؟
ونظرًا لحقيقة أن أعمال “بروتاغوراس” فُقدت في مجملها، فقد وصلت هذه العبارة إلينا بفضل المؤلفين القدامى، مثل ديوجين لايرتيوس، وأفلاطون، وأرسطو، وسكستوس إمبيريكوس، وهيرمياس، الذين أشاروا إليها في أعمالهم.
وتقليديًا، تم تضمين العبارة في مدرسة “الفكر النسبية”، والنسبية هي عقيدة فكرية تنكر الطبيعة المطلقة لقيم معينة، مثل الحقيقة والوجود، والجمال، لأنها تعتبر أن حقيقة أو زيف أي بيان مشروط بمجموعة من العوامل الجوهرية والخارجية، والتي تؤثر على تصور الفرد.
تحليل العبارة
إن عبارة “الإنسان هو مقياس كل شيء” هي مبدأ فلسفي أعلنه بروتاغوراس، ويقبل تفسيرات مختلفة حسب المعنى المنسوب لكل عنصر من عناصره، وهي، الإنسان، والقياس، والأشياء.
فبالنظر إلى الإنسان بالمعنى الفردي، يمكننا أن نؤكد أن هناك العديد من التدابير للأشياء مثلما أيد أفلاطون، هذه النظرية.
وفكر الإنسان بالمعنى الجماعي، سيكون له معنيان مختلفان، الأول، يشير هذا الرجل الجماعي ينتمي إلى مجموعة بشرية (مجتمع، بلدة، أمة)، أو مجموعة أخرى تشمل الجنس البشري بأكمله.
وأول هذه الفرضيات، قد تعني نسبية ثقافية معينة، أي أن كل مجتمع، أو كل شعب، أو كل أمة، سيعملون كمقياس للأشياء، ومقياسهم مُختلف عن غيرهم.
والفرضية الثانية، تعني إعتبار الوجود هو المقياس الوحيد المشترك للجنس البشري بأكمله.
والحقيقة هي، أن تأكيد الإنسان كمقياس للأشياء له شحنة بشرية قوية، والتي بدورها تصف عملية تطور الفكر الفلسفي لدى الإغريق من المرحلة الأولى، حيث توضع الآلهة في مركز الفكر، كتفسير للأشياء، وتمر مرحلة ثانية تشغل الطبيعة مركزها وتفسير ظواهرها، لنصل أخيرًا إلى هذه المرحلة الثالثة التي فيها يصادف أن يكون الإنسان في قلب اهتمامات الفكر الفلسفي.
الإنسان هو المقياس.. وقياسُنا للأشياء غير متطابق تمامًا
الآن سيكون الإنسان هو المقياس، والمعيار الذي سيتم من خلاله النظر في الأشياء.
باختصار، تصوراتنا مرتبطة بنا، إلى ما يبدو لنا، وما نعرفه ب “خصائص الأشياء” هو في الواقع علاقات أقيمت بين الموضوعات والأشياء، فعلى سبيل المثال: قد تكون القهوة ساخنة جدًا بالنسبة لي، أما بالنسبة لصديقي فإن درجة حرارتها مثالية لشربها، وبالتالي، فإن السؤال “هل القهوة ساخنة جدًا؟” سيحصل على إجابتين مختلفتين من موضوعين مختلفين، أي أن مقياسي أنا وصديقي غير مُتطابق.
تحليل أرسطو
لهذا السبب، فسر أرسطو أن ما كان يقصده بروتاغوراس، حقًا، هو أن كل الأشياء تبدو كما تبدو بالنسبة لنا، فيمكن أن يكون الشيء نفسه جيدًا وسيئًا، وبالتالي، فإن جميع التأكيدات المعاكسة ستصبح صحيحة بنفس القدر.
باختصار، ستكون الحقيقة عندئذ مرتبطة بكل فرد، وهي عبارة تُعرف فعليًا بأحد المبادئ الرئيسية للنسبية.
سيرة بروتاغوراس.. صاحب عبارة الإنسان هو مقياس كل شيء
ولد بروتاغوراس أبديرا عام 485، وتوفي عام 411 م، وكان سفسطائيًا يونانيًا مشهورًا، واشتهر بحكمته في فن البلاغة واشتهر بكونه، في رأي أفلاطون، مخترع دور السفسطائي المحترف، ومعلم البلاغة والسلوك.
وأمضى فترات طويلة في أثينا، وتم تكليفه بصياغة أول دستور تم بموجبه إنشاء التعليم العام والإلزامي، وبسبب وضعه “اللاأدري“، احترقت أعماله وفُقد باقي من بقي معه عندما انقلبت السفينة التي كان يسافر بها إلى المنفى، لهذا لم تصلنا إلا بعض جمله من خلال فلاسفة آخرين اقتبسوها منه.
أقرأ أيضاً.. “الإنسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!
“الإنسان كائن اجتماعي بطبعه”.. إلى ماذا تشير العبارة ؟