شخصيات

هيدي لامار.. فاتنة الوجه والعقل

محمد أحمد كيلاني 

دائمًا ما يريد التاريخ أن يُذكرنا بوجود العديد من النساء اللواتي غيرن التاريخ، بشكل أو بآخر، ومن تلك النساء، هي، الجميلة “هيدي لامار” الممثلة والمخترعة، التي اشتهرت بحياتها المهنية الجريئة في مجال السينما، كما ميزت نفسها باختراع نظام تشفير الإرسال أو ” القفز الترددي” والذي لا يزال يُستخدم اليوم لتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية وفي تقنيات الإتصالات اللاسلكية الأخرى، فلنتعرف على السيدة هيدي بشكل أعمق.

الميلاد

ولدت هيدي أو “هيدويغ إيفا ماريا كيزلر” في 9 نوفمبر 1914م، بمدينة فيينا في النمسا لعائلة من أصل يهودي، وكان والدها مصرفي نمساوي شهير وصاحب نفوذ، ووالتها كانت عازفة بيانو.

طفولة هيدي لامار

تلقت لامار، وهي الطفلة الوحيدة، قدرًا كبيرًا من الإهتمام من والدها، مدير البنك والرجل الفضولي، الذي ألهمها النظر إلى العالم بعيون مفتوحة، فغالبًا ما كان يأخذها في نزهات طويلة حيث يناقش معها المُكونات الداخلية للآلات المختلفة، مثل المطبعة أو السيارة، وقد وجهت هذه المحادثات تفكير لامار، ففي سن الخامسة فقط، تم مشاهدتها وهي تقوم بتفكيك صندوق الموسيقى الخاص بها لتعيد تجميعه بعد ذلك، لفهم كيفية عمل الآلة.

وفي هذه الأثناء، كانت والدة لامار عازفة بيانو، وكانت تصطحبها في الحفلات الموسيقية وعرفتها على الفنون، وجعلتها تُشارك في دروس البالية والبيانو منذ صغرها.

الحياة الفنية

تم تجاهل عقل لامار اللامع، واحتل جمالها مركز الصدارة عندما اكتشفها المخرج ماكس راينهارت في سن 16 عامًا، فقد درست التمثيل مع راينهاردت في برلين، وشاركت في أول دور سينمائي صغير لها بحلول عام 1930، في فيلم ألماني بعنوان “المال في الشارع”، ومع ذلك، لم تحصل لامار حتى عام 1932م على الاعتراف بأنها ممثلة.

لقد حققت حياتها المهنية في مجال التمثيل حضورًا قويًا في الإنتاجات التشيكوسلوفاكية والألمانية في ذلك الوقت، ولفت الفيلم الألماني “إكستاس” الذي شاركت فيه عام 1932م، انتباه منتجي هوليوود إليها، وبعد بضع سنوات، أصبحت نجمة في سماء هوليوود.

وعندما دخلت لامار هوليوود، تبنت اسمها المسرحي وأطلقت فيلمها الأول في هوليوود تحت إسم “الجزائر” في عام 1938، وصنعت لامار مسيرة مهنية ناجحة في المجال الفني، وكانت تُعرف على أنها “أجمل امرأة في الأفلام”، وكتبت سيرة ذاتية بعنوان “النشوة وأنا” والتي تُفصّل حياتها الخاصة.

الزواج

تزوجت هيدي لامار من زوجها الأول فريدريش ماندل، وهو نمساوي ثري في عام 1933م، وقد وصفت السيرة الذاتية لها، بأن زوجها -تاجر الأسلحة- كان رجل مُتحكم للغاية، ومنعها من تنمية موهبتها الفنية، وذكرت أنها شعرت بأنها مسجونة في منزلهم الشبيه بالقلعة حيث أقيمت حفلات وحضر أشخاص بارزون مثل هتلر وموسوليني.

“أيضًا في سيرتها الذاتية، ذكرت أنها ابتكرت خطة وهربت من زوجها المسيطر من خلال التنكر في زي خادمة، ثم غادرت إلى باريس، حيث ازدهرت لاحقًا كممثلة، وقد انفصلا عام 1937م”

واستأنفت مسيرتها السينمائية في هوليوود، وحصلت على عقد لمدة سبع سنوات مع شركة ( أم.جي.أم) وقدمت خلال هذه الفترة، خمسة عشر فيلما روائيا.

“أخذت الاسم المستعار “هيدي لامار” في عام 1939، وفي نفس العام، تزوجت من كاتب السيناريو والمنتج “جين ماركي” ولكن الزواج استمر لمدة عام واحد فقط، وبعد ذلك، تزوجت هيدي أربع مرات وأنجبت طفلين (أنتوني ودينيس) من زوجها الثالث.

هيدي لامار ونظام ترميز الإرسال

في عام 1941، وخلال الحرب العالمية الثانية، أنشأت لامار والملحن جورج أنتيل نظام تشفير للإرسال وحصل على براءة اختراع لمحاربة الغواصات الألمانية، ولكن البحرية الأمريكية، في ذلك الوقت، اعتبرت النظام غير عملي، وتم رفض استخدام النظام 

ولم يعرف الجيش الأمريكي كيف يُقدّر فائدة الاختراع الذي قدمته هيدي إلا بعد سنوات عديدة، ففي عام 1962، حدثت أزمة الصواريخ الكوبية، لذلك تم استخدام تقنية لامار لاعتراض الإتصالات والتحكم في الطوربيدات، وتُستخدم هذه الطريقة اليوم لأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، مثل نظام التموضع العالمي (GPS)، وكانت مقدمة لشبكات الاتصال اللاسلكي (Wi-Fi).

“قدمت هيدي خدماتها للجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها”.

الرفض والاعتراف

في نهاية الحرب العالمية الثانية، أسست هيدي شركة الأفلام الخاصة بها، وقد أنتجت ولعبت دور البطولة في بعض الأفلام المتوسطة، وأثناء فترات الاستراحة من التصوير، انتهزت الفرصة لمواصلة استكشاف وجهها كمخترعة.

لقد كانت حياته الشخصية سيئة الحظ، فقد تزوجت ست مرات كما ذكرنا، وكانت مسيرتها الفنية بعد الحرب العالمية في تدهور مستمر، فقد وقعت في فخ تناول الحبوب المُخدرة، وكان لديها هوسًا غير طبيعي بجراحات التجميل، وأصبحت مصابة بالدغر (هوس السرقة) واعُتقلت عدة مرات.

بعد هذه الفضائح الصاخبة، عزلت هيدي لمار نفسها في قصرها بميامي لتقضي السنوات الأخيرة من حياتها معزولة عن عالم همش جانبها الفكري ولم يتعرف عليها على أنها مخترعة، وشاهد الجمال في وجهها فقط.

وعندما وصل الاعتراف بقدراتها وإنجازاتها أخيرًا، كان الأوان قد فات بالفعل، ففي صيف عام 1999، نظمت قاعة الفنون في فيينا مشروع تكريم متعدد الوسائط لأفضل ممثلة ومخترعة في القرن العشرين.

“عندما حصلت على جائزة بايونيير-سيئة السُمعة- استقبلتها بعدم انزعاج.

حياة حزينة

لقد كافحت هيدي لامار ماليًا، وباعت الكثير من أصولها في مزادات، وفي عام 1966 تم اتهامها بالسرقة في سوبر ماركت، وعلى الرغم من تبرئتها النهائية، إلا أن نشر سيرتها الذاتية في نفس العام، لم يساهم في تحسين صورة واحدة من أجمل النساء في تاريخ السينما.

فلقد جَمع الكتاب بالتفصيل الدقيق فضائح الحب والسلوكيات الغير أخلاقية للممثلة، وعلى الرغم من أن هيدي رفعت دعوى قضائية ضد الناشر لتزوير حياتها العاطفية، إلا أن هوليوود أدارت ظهرها لها بشكل نهائي.

وعلى الرغم من حياتها الحزينة، دخلت هيدي التاريخ ليس فقط لمساهمتها في الفن، ولكن أيضًا لاكتشافاتها في مجال الدفاع العسكري والاتصالات، وكانت عدوًا مُعلنًا للنازية.

نهاية هيدي لامار

في 19 يناير من عام 2000، توفيت هذه الممثلة التاريخية في مدينة كاسيلبيري بالولايات المتحدة عن عمر ناهز 85 عامًا نتيجة لمضاعفات في القلب، وكانت وصيتها الأخيرة، هي أن يتم نثر جزء من رمادها في غابات فيينا، بالقرب من مسقط رأسها، ثم يتم تسليم جزء آخر إلى “كنيسة فيينا” ليتم دفنها في نصب تذكاري يحمل اسمها.

“تحتفل النمسا بيوم المخترع في 9 نوفمبر وهو يوم ولاده هيدي، تكريما له”

أقرأ أيضاً.. جوليا توفانا.. “المرأة الثعبان” التي تسببت في ذُعر رجال إيطاليا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *