كائنات

“البونوبو”.. الرئيسيات الوحيدة التي لا تقتل نوعها.. رحلة عبر تطور السلوك الاجتماعي

محمد أحمد كيلاني 

ظهرت الحياة على كوكب الأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة، ومع مرور الزمن تطورت أشكال الحياة حتى وصلنا إلى الإنسان العاقل الذي يُعتبر من أحدث الكائنات على هذا الكوكب، حيث يعود تاريخ السجلات الأحفورية للبشر إلى أقل من 300 ألف عام فقط، في قلب الغابات المطيرة الكثيفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعيش أحد أقرباء البشر، وهو نوع من القردة العليا يُعرف باسم البونوبو (Pan paniscus)، ويُطلق عليه أيضًا الشمبانزي القزم، هذا النوع هو الأصغر بين جميع القردة العليا، ويعيش حياة مليئة بالسلام والتعاون، مما يميزه عن باقي أنواع القردة العليا.

التقارب الجيني بين البونوبو والبشر.. حقائق مثيرة

يتشارك البونوبو حوالي 98.7% من الحمض النووي الخاص به مع البشر، وهي نفس النسبة التي يتشاركها الشمبانزي، مما يجعل البونوبو أحد أقرب الأقارب الأحياء للإنسان، ومع هذا القرب الجيني، تختلف سلوكيات البونوبو الاجتماعية بشكل ملحوظ عن سلوكيات باقي الرئيسيات، البونوبو، على عكس الشمبانزي والعديد من الكائنات الأخرى، لا يقتل أفراد نوعه بعضهم البعض، وهو ما يجعله فريدًا بين الرئيسيات، باستثناء البشر.

العدو المشترك.. تأثيره على التماسك الاجتماعي

في دراسة حديثة، قام فريق دولي من العلماء بقيادة جامعة كيوتو بالكشف عن سلوك فريد لدى البونوبو يُعرف بتأثير “العدو المشترك”، يشير هذا التأثير إلى ميل الجماعة لوضع خلافاتها جانبًا والاتحاد لمواجهة تهديد مشترك، هذه الدراسة أظهرت أن البونوبو، التي تشتهر بتفاعلاتها السلمية، تُظهر نوعًا من التماسك الاجتماعي عندما تواجه تهديدًا خارجيًا، حيث تجتمع لمواجهة المشكلة الأكبر التي تؤثر على المجتمع بأكمله، مما يدل على أن هذا السلوك قد يكون تطورًا قديمًا يعود لملايين السنين.

  • خلال التجربة التي أجراها العلماء، قاموا بتشغيل أصوات لمجموعات أخرى لمعرفة كيفية تفاعل البونوبو معها، وأظهرت النتائج أن البونوبو أبدت يقظة كبيرة، واتخذت وضعيات أكثر استقامة، وقللت من وقت الراحة، مع زيادة طفيفة في أنشطة الاستمالة الاجتماعية، وهو سلوك يعزز الروابط الاجتماعية ويُظهر التماسك بين أفراد المجموعة.

مجتمعات البونوبو.. الأمومة والتماسك الاجتماعي

البونوبو تعيش في مجتمعات أمومية، حيث تلعب الإناث الدور الأهم في التسلسل الهرمي الاجتماعي، يُعتقد أن هذا التركيب الاجتماعي يسهم في السلام العام للمجموعة، فالإناث تشكل روابط قوية مع بعضها البعض، مما يساعد في الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتقليل العدوانية داخل المجتمع، تظهر الإناث مستويات عالية من التعاون والإيثار، حتى مع أفراد غير مألوفين، ومن المرجح أن يتقاسموا الطعام والموارد أكثر من الشمبانزي، البونوبو يُظهرون أيضًا استعدادًا أكبر للتعاون والمساعدة المتبادلة، وهو ما يعزز من قوة الروابط الاجتماعية ويقلل من النزاعات.

البونوبو والبشر.. دراسة في تطور السلوك الاجتماعي

تشير دراسة سلوك البونوبو إلى أن العلاقة بين تهديدات المجموعة الخارجية وتماسك المجموعة قد تعود إلى ملايين السنين، نحن نعلم أن البشر يتصرفون بهذه الطريقة، وكذلك الشمبانزي، والآن يمكننا أن نضيف البونوبو إلى هذه القائمة، فخلال مسار تطورهم، اختارت هذه الكائنات أن تركز على التماسك الاجتماعي بدلاً من العدوان الدفاعي، مما جعلها أكثر سلمًا وتعاونًا داخل مجتمعاتها، بالمقارنة، يستطيع البشر القيام بالأمرين معًا، فهم قادرون على ارتكاب أعمال عدوانية ضد من يعتبرونهم خارج مجموعتهم، وفي نفس الوقت، يستطيعون التعاون والعمل معًا عبر الحدود.

استنتاج.. مستقبل العلاقات الاجتماعية بين الرئيسيات والبشر

من خلال الدراسة، نتعلم أن سلوكياتنا الاجتماعية ليست حتمية، بل هي نتيجة لخيارات تطورية قديمة، هذه الرئيسيات السلمية تُظهر لنا أن هناك طرقًا أخرى للتعامل مع التهديدات الخارجية غير العدوان، فهي تركز على بناء التحالفات وتعزيز التعاون بين أفراد المجموعة، مما يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي، يبدو أن هذه السلوكيات تعود إلى ملايين السنين، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من تاريخ تطور الرئيسيات.

ختامًا، هذه الحيوانات تعلمنا أن التعامل السلمي مع التهديدات الخارجية يمكن أن يكون استراتيجية فعالة لتحقيق التماسك الاجتماعي، جنسنا البشري يحمل عناصر من علاقات الشمبانزي والبونوبو، لذا فإن فهم كيف تطور كل منهما يمكن أن يساعدنا في تشكيل مستقبل أكثر تعاونًا وسلامًا.

أقرأ أيضاً.. اكتشاف مذهل.. خنفساء الجوهرة الذهبية تعيش لمدة تصل إلى 50 عامًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *