جهاد مصطفى
في خمسينات القرن السابع عشر و تحديدًا في مدينة روما بايطاليا، واثناء إعداد وجبة الغداء من قِبل السيدة “ميديا” لزوجها قررت وضع السم له في الحساء، من أجل التخلص منه بسبب نوبات غضبه الشديدة التي حولت حياتها إلى حجيم لا يُحتمل، لكن عندما هم الزوج بارتشاف الحساء تحرك ضميرها لتمنعه من تناولها، مما اثار غضب الزوج ليقوم بتوبيخها و ضربها بعنف، فتعترف له انها ارادت التخلص منه بالسم، فيصطحبها إلى مغفر الشرطة لتعترف هناك بفعلتها و انها قامت بشراء السم من سيدة معروفة ارادت مساعدتها، قد يبدو لك عزيز القارئ أن هذا مشهد من فيلم سينمائي، لكن هذه الواقعة حدثت بالفعل و كانت السبب الرئيسي في الكشف عن امرأة قتلت أكتر من 600 شخص و هي”جوليا توفانا”.
النشأة
ولدت “جوليا توفانا” (Giulia Tofana) في مدينة باليرمو الإيطالية عام 1620، ويرجح بعض المؤرخين أن والدها يدعَى”فرانسيس ادامو” ووالدتها سيدة تدعى توفانيا ادامو، وعندما اصبحت جوليا في عمر ال13 عامًا، حُكم على والدتها بالاعدام شنقًا بتهمة تسميم زوجها!.
ولعل هذا ما ورثته جوليا من والدتها مع مهنة صناعة مستحضرات التجميل، واستطاعت أن تنشئ علامة تجارية خاصة بها و ذاع صيتها بشدة فانتقلت إلى روما وذلك من أجل التوسع في عملها.
وكان لدى جوليا ابنة بالتبني تًدعى “جيرولاما سبارا”، والتي تبنت رعايتها بعد وفاة والدها.
جوليا توفانا.. صانعة السُم
في تلك الحقبة كانت أوروبا تعاني من بعض العادات التي تسببت في وجود مشاكل إجتماعية، منها إجبار الفتيات صغار السن على الزواج من رجال أثرياء يكبرونهم بكثير، ولم يكن هناك حقوق للفتيات في تلك الفترة مما أدى إلى وجود ضغط نفسي و مجتمعي على العديد من السيدات، وقد وجدت جوليا في تلك المشاكل بيئة مناسبة لتحقيق مكاسب مادية كبيرة، من خلال منتج قامت بتصنيعه يدعى أكوا توفانا”Aqua Tofana”.
وكان أكوا توفانا، عبارة عن سَم يتم تعبئته في زجاجة عليها صورة للقديس نيكولا دي باري(San Nicola di Bari)، وكان المقصود به أن يتواجد السم بداخل المنزل أمام الأعيُن ولا يثير الريبة ابدًا، يا لها من خطة خبيثة!.
صنع السم من العديد من المكونات منها البيلادونا، وهو يستخرج من نوع من التوت عالي السمية و يسبب زيادة معدل ضربات القلب، وأبرز مكون فيه هو الزرنيخ، وهو يعرف بملك السموم حيث انه استخدم من قبل في قتل عدد كبير من ملوك روما القديمة، وذلك بسبب خصائصه، ويمكن خلطه مع الطعام أو الشراب، ويسبب أعراض مثل القئ و الإسهال و هي أعراض تتشابه مع أعراض لامراض اخرى، وكمية صغيرة منه قادرة على القتل ببطء شديد.
نصحت جوليا زبوناتها بأن يستخدمن السم على جرعات صغيرة لمدة 4 أيام متتالية حتى يكون التأثير تدريجي و لا يكشف الأطباء الأمر.
مستحضر الموت ينتشر
ومع الوقت أصبح “الاكوا توفانا” مستحضر رائج بين طبقة السيدات الأثرياء اللاتي يردن التخلص من ازواجهن، خاصة أن جوليا أقنعت السيدات أنها تريد مساعدتهن في التخلص مما يعرضون له من ظلم و معاملة قاسية من قبل ازواجهن، وكانت تقوم بالحصول على جزء من الثروة بعد الوفاة.
و لم يتم كشف أمرها حتى حدثت واقعة الحساء، التي كانت مقدمة موضوعنا، وكشفت كل ما يحدث، و عندما علمت جوليا بانكشاف امرها فرت إلى الكنيسة لتحتمي بها من قوات الشرطة.
وفي البداية لم تستطع الشرطة الدخول احترامًا للكنيسة، حتى سرت شائعة بين الناس انها قامت بتسميم امدادات المياه فاضطرت السلطة البابوية من تسلميها إلى الشرطة اخمادًا لثورة الجموع الغاضبة.
وتعرضت جوليا لعمليات تعذيب متواصلة حتى اعترفت انها تسببت في قتل 600 رجل و ربما أكثر من ذلك، وعاونها بعض مساعديها في التواصل مع الزبائن، فُحكم عليها بالاعدام في ساحة “كامبو دي فيوري” في روما، و معها بعض مساعديها و ابنتها جيرولاما، و كذلك بعض الأرامل اللاتي تم التوصل إليهن.
هل أرقام ضحايا جوليا توفانا حقيقي؟
يمكن أن يكون الرقم مُبالغ فيه، وكذلك بعض المؤرخين شككوا في صحة أرقام الضحايا التي اعترفت بها، ورجحوا أنها اعترفت بذلك تحت التعذيب، و لكنهم لم ينفوا أيضًا ان لها صلة بطريقة او بأخرى في قتل عدد كبير من الرجال.
وبالرغم من اعدامها إلا أنها تسببت في هوس كبير بفكرة وجود مؤامرة لقتل الرجال، حتى أن المؤلف الموسيقي “فولفغانغ أماديوس موزارت” الذي توفى بعد ما يقرب من القرن على وفاتها كان مقتنع انه تم تسميمه بالاكوا توفانا بالرغم من تأكيد الأطباء انه كان يعاني من حمى روماتزمية و لم يتم قتله بالسم كما كان يعتقد.
ومع تطور العلم أصبح من السهل إكتشاف تلك العادات الثُعبانية التي كانت، مُنتشرة في التاريخ القديم والقريب بكثرة، والتي كان هدفها هو استغلال الأوضاع السيئة من أجل التربُح المالي.
أقرأ أيضاً.. هيلين جيبسون.. المرأة التي لا تهاب أي شيء