رُكن مقالات مُستبشر

أسطورة كهف أفلاطون.. رحلة الإنسان من الظلام الى النور

محمد أحمد كيلاني

أسطورة كهف أفلاطون، هي قصة رمزية عن حقيقة معرفتنا، فقد ابتكر أفلاطون أسطورة الكهف ليُظهر بالمعنى المجازي أننا محاصرون داخل كهف، منذ ولادتنا، وأن الظلال التي نراها لنا والتي تنعكس على الحائط تشكل ما نعتبره
حقيقيًا.

ويستخدم أفلاطون، أيضًا، هذا الرمز لشرح كيفية توجيه الناس نحو المعرفة (التعليم)، ومحاولًا تحريرهم من روابط واقع الكهف، ووفقًا للفيلسوف اليوناني، فإن بعض الناس يشعرون بالراحة في جهلهم ويمكن أن يعارضوا، حتى بعنف، أولئك الذين يحاولون مساعدتهم على التغيير.

متى تم العثور على أسطورة كهف أفلاطون؟

تم العثور على أسطورة الكهف في المجلد السابع من كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، والذي كُتب في عام 380 قبل الميلاد، وتكمن الأهمية العامة لعمل الجمهورية في عرض المفاهيم والنظريات التي تقودنا إلى أسئلة حول أصل المعرفة ومشكلة تمثيل الأشياء وطبيعة الواقع نفسه.

ملخص أسطورة الكهف لأفلاطون

في أسطورة الكهف يوجد حوار كتبه أفلاطون، تحدث فيه أستاذه سقراط وشقيقه جلوكون، عن كيفية تأثيره على المعرفة والتعليم الفلسفي على المجتمع والأفراد.

وفي هذا الحوار، يطلب سقراط من جلوكون، تخيل مجموعة من السجناء الذين تم تقييدهم بالسلاسل منذ الطفولة خلف جدار داخل كهف، وهناك، تضيء الشمس على الجانب الآخر من الجدار، ويرى السجناء الظلال التي تلقيها الأشياء الموجودة على هذا الجدار، والتي يتلاعب بها أشخاص آخرون يمرون من خلفهم.

ويقول سقراط لجلوكون أن السجناء يعتقدون أن ما يلاحظونه هو العالم الحقيقي، دون أن يدركوا أنها مجرد مظاهر لظلال هذه الأشياء.

وفي وقت لاحق، تمكن أحد السجناء من تحرير نفسه من قيوده وبدء في الصعود، وكان هذا الشخص يراقب ضوء النهار وراء الجدار.

وشيئًا فشيئًا، يعتاد الرجل المُحرر على ضوء الشمس، وببعض الصعوبة، يقرر التقدم.، ويقول سقراط أن هذه هي الخطوة الأولى في اكتساب المعرفة.

وسقراط يقول أن الرجل هنا، يفكر بطريقة تجعله يتصور هذا العالم الخارجي (عالم الأفكار) على أنه عالم الحقيقة، ويعود الرجل، مرة أخرى، لمشاركة هذا النور أو المعروفة التي اكتسبها مع السجناء في الكهف، لأنه يشعر أنه يجب أن يساعدهم في الصعود إلى العالم الحقيقي.

وعندما يعود إلى الكهف مع السجناء الآخرين، لا يستطيع هذا الرجل أن يرى جيدًا، لأنه اعتاد على الضوء الخارجي، ويعتقد السجناء أن عينيه تضررت ولا يريدون مرافقته إلى الخارج.

البعد الأنثروبولوجي لأسطورة الكهف

الجسد والروح يتوافقان مع بعدين مختلفين، فمن ناحية، فإن الجسد منغمس في العالم الحسي القابل للفساد والمتغير، ومن ناحية أخرى، الروح متحدة مع عالم الأفكار، وهو عالم مثالي وثابت.

ويشير البعد “الأنثروبولوجي” في أسطورة الكهف إلى حالة الإنسان وطريقته في المعرفة، وهذا البعد يتمثل في طبيعة السجين وجسده، وعلاقته مع الكهف (العالم الحسي)، وكذلك في العالم الخارجي وتحرير روحه (عالم الأفكار).

وبالطبع، السجناء هم استعارة للأشخاص المرتبطين بتصوراتهم والصور التي يقدمونها، والظلال هي العالم المادي الذي ندركه ونعتقد أنه المعرفة الحقيقية، ومع ذلك، فإن ما يلاحظونه في الداخل ليس أكثر من معرفة ذاتية.

وعندما يحرر أحد الأسرى نفسه من قيوده ويغادر الكهف، فإن هذه الرحلة تمثل صعوده إلى العالم المعقول، حيث يكتسب المعرفة الحقيقية.

البعد الأنطولوجي والمعرفي.. علم الوجود

ويشير البعد “الأنطولوجي” إلى طبيعة الوجود ويشير البعد المعرفي إلى طبيعة وأصل وصحة المعرفة.

وكل عنصر من عناصر أسطورة الكهف يرمز إلى مستوى من الوجود والمعرفة، ضمن ثنائية أفلاطون الأنطولوجية والمعرفية، وعلى وجه التحديد، فإن قصة الرجال المحاصرين داخل كهف (المستوى الأدنى) والرجل المفرج عنهم خارج (المستوى العلوي)، تعمل على شرح مفهومه الثنائي عن العالم.

البعد الأخلاقي والسياسي

إن عالم الأفكار هو المكان الذي تجد فيه روح الإنسان المعرفة، وبما أن السجين المفرج عنه موجود في العالم المثالي، فعند صعوده واختبار الكهف من الخارج، يشعر أنه يجب عليه مشاركة ما اختبره، وهنا الشمس هي استعارة لفكرة الخير، وهي أنقى فكرة على الإطلاق.

وعودة السجين المفرج عنه هي نموذج للفيلسوف الذي يساعد الآخرين على تحقيق المعرفة الحقيقية.

نظرية المعرفة وأسطورة الكهف لافلاطون

في الجمهورية، وتحديدًا داخل الفصلين السادس والسابع، يشير أفلاطون، إلى أن أصل المعرفة الحقيقية ينفصل عن الأفكار.

ومع ذلك، فإن العالم المادي، المرئي أو المعقول، هو عالم محدود المعرفة والرأي، وتعبر أسطورة الكهف عن الازدواجية المستمرة بين المعرفة الظاهرة (داخل الكهف) والمعرفة النقية والحقيقية (خارج الكهف).

أسطورة الكهف والتعليم

نظرًا لأن المعرفة الحقيقية تختلف عن معرفة العالم الظاهر، وأن الصعود إلى عالم الأفكار يسمح أيضًا للفيلسوف برؤية الحقيقة، يفترض أفلاطون أن تعليم أولئك الذين بقوا في الكهف هو مسؤوليته.

وفي أسطورة الكهف، ينتقل السجين الذي يصعد إلى العالم الخارجي من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، والسجناء الذين بقوا في الداخل هم استعارة لحالة الناس في المجتمع.

وهذا هو المفتاح، فالحقيقة أن الناس يبدأون الحياة في الكهف، كرمز لعالم المظاهر، والتعليم بالنسبة لهذا الفيلسوف، لا يتعلق باكتشاف موهبة المعرفة، حيث يتعين عليك التخلي عن الافتراضات التي كانت لديك من قبل، لتعيش في ظلال الكهف، لتكون قادرًا على التفكير النقدي.

موضوع أسطورة الكهف أفلاطون في الأدب والسينما

تم استكشاف موضوع خداع الذات هذا، في العديد من الأعمال الأدبية والسينمائية عبر التاريخ، ولا سيما في العقود الأخيرة.

فالعلم والنور هما أساس كل شيئ، فما علبك سوى الخروج من كهفك.

أقرأ أيضاً..“الإنسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *