محمد أحمد كيلاني
هل يمكن أن تتخيل أنك تعيش في وقت يمكن فيه للوباء أن يقضي على جزء كبير من سكان العالم؟ الإيدز، الطاعون الأسود، الإنفلونزا الإسبانية، الكوليرا … فما هو الوباء الأكثر فتكًا؟ مستبشر يجبك في هذا الموضوع.
أسلوب حياة البدو في العصور الحجرية القديمة والحديثة وعلاقتهم بالأوبئة
كان البدو الصيادون في العصر الحجري القديم مستقرين في جميع أنحاء العالم، في ذلك الوقت، وهي فترة من عصور ما قبل التاريخ التي امتدت بين عام 6000 و 3000 قبل الميلاد، وفي هذا الوقت، تم بناء منازل خشبية محاطة بحواجز دفاعية، وتم تدجين الحيوانات، وعمل الرجال في الأرض وأصبحوا مربين للماشية، وقد أدى هذا التغيير في الحياة إلى قيام الحيوانات بتزويد أسلافنا باللحوم والحليب والملابس.
وتشير التقديرات إلى أنه خلال العصر الحجري الحديث، كان متوسط العُمر حوالي ثلاثين عامًا وكان طول عُمر الرجال، أعلى من متوسط عمر النساء، حيث كان معدل الوفيات عند الولادة والحمل مرتفعًا وكان لابد من حجز أفضل قطع اللحم للرجال، وذلك من أجل أن تكون تغذيتهم مثالية، حتى يمكنهم ذلك من الذهاب للصيد.
كيف أثر أسلوب المعيشة في ظهور الأوبئة
وكان لهذه الثورة الإقتصادية والإجتماعية جانبها الثاني أيضًا، حيث أثرت في ظهور أمراض جديدة، فالتعايش مع الحيوانات والاكتظاظ البشري، سَهّل في ظهور الأمراض المُعدية، مثل الجدري، والسل، والجذام، والالتهابات المعوية، ولابد من أن أمراض أخرى مثل الملاريا ظهرت في وقت سابق، لكنها كانت في العصر الحجري الحديث عندما اكتسبت أهمية أكبر، وفي ذلك الوقت، كانت الأمراض غير المعدية، مثل السرطان أو مرض السكري، استثنائية.
الإنسان ضعيف أمام إنتشار الأوبئة
عبر تاريخ البشرية، كشفت الأوبئة المختلفة التي عانى منها البشر ضعفنا، ولقد كان الإيدز بلا شك من أفظع الأوبئة، فمنذ ولادته في القارة الأفريقية حتى يومنا هذا، تسبب في وفاة ما بين 35 و 45 مليون شخص.
وهو رقم مرتفع للغاية ولكنه، على أي حال، ولكن يظل أقل من معدل الوفيات الناجم عن ما يسمى بالإنفلونزا الإسبانية، فوفقًا لآخر التقديرات المقترحة، فقد تسبب هذا الوباء في وفاة ما بين 50 و 100 مليون شخص.
وبعيدًا عن هذه الأوبئة، على الأقل فيما يتعلق بمعدل الوفيات، فما هو الوباء الذي حصد عدد وفيات أكبر؟ بالتأكيد هو المرض الذي سُمي بالموت الأسود، وهو وباء حقق مكانة أسطورية، تقريبًا، على مر التاريخ، وتسبب هذا المرض، الذي تسببه بكتيريا “اليرسينيا الطاعونية” وينتقل عن طريق براغيث الفئران، وتسبب الموت الأسود، أو الطاعون هذا، في وفاة حوالي 200 مليون شخص.
ما هو الوباء الفتاك؟ هل هو الطاعون؟
مما لا شك فيه أن كل هذه الأرقام التي خَلفها الطاعون مُدمرة، لكننا لم ننتهي عن إجابة عنوان الموضوع بشكل كامل، فالطاعون حقق معدل وفيات أكبر من الإيدز، والانفلونزا الإسبانية، لكنه بعيد عن تلك التي سببها مرض “الجدري البشري”، الذي حصد الكثير من الشباب، الأطفال، والرضع بشكل خاص.
ونحن نعلم أنه على مر القرون انتشر هذا المرض في تفشي الأوبئة وكان، على سبيل المثال، حليفًا حاسمًا للغزاة الإسبان عندما وصلوا إلى العالم الجديد، وتشير التقديرات إلى أنه حتى إعلان منظمة الصحة العالمية القضاء عليه في عام 1979، كان قد تسبب في وفاة 350 مليون شخص.
الجدري مرض شديد العدوى
كان على الأرجح في العصر الحجري الحديث عندما ظهر، وعرف بإنه مرض شديد العدوى، ويسببه فيروس يظهر سريريًا، ويظهر على أنه مرض جلدي ثائر.
وبمجرد حدوث العدوى، ولمدة أسبوع أو أسبوعين، وهو الوقت الذي يتكاثر فيه الفيروس في الجسم، تظهر الحمى الشديدة، والشعور بالضيق العام، والصداع، والآفات الجلدية، ويغطي الجسم بقع حمراء صغيرة، ترتفع فوق الجلد حتى يصل قطرها إلى 2 أو 3 مم.
وتبدأ الآفات الجلدية عمومًا على الوجه، وبعد ذلك تغطي الجسم بالكامل، وتتحول على مدار الأيام إلى حويصلات، وأخيراً إلى بثور مؤلمة (حويصلات مع صديد)، والتي تتقرح وتتحول إلى قشور في اليوم الرابع عشر من المرض.
وإذا كان المريض محظوظًا بما يكفي للبقاء على قيد الحياة، فإن القشرة تتساقط في النهاية، تاركة ندوبًا مدى الحياة، وخاصة على الوجه.
سقوط ما عُرف بالوباء الذي حصد العديد من الأرواح
تم الإعلان عن آخر تفشي للجدري في الصومال عام 1977، وذلك بفضل برنامج القضاء على الجدري الذي نفذته منظمة الصحة العالمية، ومع التطعيم الدائري – تحصين جميع الأشخاص الذين كانوا على إتصال بشخص مصاب – وبذلك تمكنوا من القضاء عليه.
وفي هذا الوقت، يُعد الجدري، الآفة البشرية، أو المرض المعدي الوحيد الذي تم القضاء عليه، ونأمل أن تزداد القائمة في السنوات القادمة، ويجب أن نأمل كثيرًا في الطب والعلوم للقضاء على الأوبئة، أو الحد من ظهور الفيروسات الجديدة التي يخبأها لنا المستقبل.
أقرأ أيضاً.. العمليات الجراحية في عصور ما قبل التاريخ