
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة بمقطع مصوَّر مثير للدهشة يظهر لحظة “انهيار منصة برلمان بوليفيا” خلال جلسة رسمية، في مشهد يشيع الفوضى والصراخ وسقوط أعضاء داخل القاعة، وهو ما دفع العديد من المتابعين لتداول الفيديو على أنه واقعة حقيقية تكشف عن خلل في البنية التحتية أو ربما هزة أرضية مفاجئة ضربت العاصمة البوليفية، ومع انتشار الخبر بسرعة البرق، ظهرت أسئلة ملحّة حول صحة هذه الرواية، وبدأت موجة من الشكوك تلاحق الفيديو وتفاصيله.
انهيار منصه برلمان بوليفيا
الحقيقة التي كشفتها التحريات الصحفية والتحققات البصرية من الفيديو تؤكد أن المشهد ليس حقيقياً، بل تم إنتاجه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وعلى وجه التحديد باستخدام منصة مثل Veo V3، والتي تتيح إنشاء مقاطع فيديو قصيرة بمحاكاة واقعية مذهلة، وبالرغم من واقعية المشهد من حيث الإضاءة وحركات الأشخاص، إلا أن علامات التلاعب ظهرت بوضوح عند التدقيق، مثل تغيّر ملابس الأعضاء فجأة، وظهور شخصيات ثم اختفائها، وهو ما لا يحدث إلا في المقاطع الاصطناعية أو المزيفة رقميًا.
لم تصدر أي جهة رسمية في بوليفيا حتى اللحظة أي بيان يؤكد حدوث حادث في البرلمان، ولم يتم رصد وقوع أي زلزال في العاصمة البوليفية أو بالقرب من مقر البرلمان في نفس التوقيت، كما لم تنقل وكالات الأنباء العالمية أو المحطات التلفزيونية أي خبر مشابه، ما يعزّز من فرضية أن الأمر لا يتجاوز كونه محتوى ملفقًا يهدف إلى لفت الانتباه، وحصد المشاهدات، واستغلال خوارزميات المنصات الرقمية لصالح الانتشار السريع.
وفي ظل الطفرة التقنية التي يشهدها العالم اليوم، بات من السهل جدًا إنتاج محتوى مرئي مزيف يصعب على العين المجردة كشفه، خاصة مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التي تحاكي الأصوات والوجوه والحركات بدقة شبه تامة، مما يجعل الجماهير عُرضة للتلاعب البصري والذهني، وهذا ما يؤكده المثال البوليفي، حيث تم تصدير مشهد خيالي لم يُبثّ عبر أي قناة رسمية، وإنما انتشر فقط عبر صفحات غير موثوقة على مواقع التواصل.
هذا النوع من المقاطع يضعنا أمام تحدٍ كبير في عصر المعلومات، إذ لم يعد التحقق من الأخبار ترفًا صحفيًا، بل ضرورة يومية، فالمحتوى المصوَّر لم يعد يعني الحقيقة، والأدلة البصرية يمكن تزويرها بسهولة، لذا ينصح دائمًا بالتريث، وعدم إعادة نشر أي فيديو أو خبر قبل التأكد من مصدره الرسمي أو مراجعته عبر أدوات التحقق الرقمي الموثوقة، مثل خدمات (Google Fact Check وInVID).
ما حدث تحت عنوان “انهيار منصة برلمان بوليفيا” ليس إلا انعكاسًا لقوة الذكاء الاصطناعي في التزييف، وخطورة ما يُعرف بـ”الحقائق البديلة” التي قد تُزرع في وعي الناس عبر صورة أو فيديو وهمي، وعلى المواقع الإخبارية والقراء معًا أن يتبنّوا الوعي الرقمي، فلا ينساقوا وراء الإثارة دون سند موثوق، خاصة عندما يتعلق الأمر بمؤسسات رسمية مثل البرلمان، التي لا يمكن أن تنهار منصاتها دون أن تهتز لها وسائل الإعلام العالمية كلها.
اقرأ أيضًا.. الانتخابات الإسبانية لعام 1933.. بداية انهيار الجمهورية الثانية