رُكن مقالات مُستبشر

رشيدة مهران وياسر عرفات.. أسرار العلاقة الغامضة بين «الكاتبة والزعيم»

محمد أحمد كيلاني 

في سبعينيات القرن الماضي، ظهرت علاقة استثنائية جمعت بين الكاتبة المصرية رشيدة مهران وياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، في ظروف سياسية كانت مشحونة بالتوترات، والتقلبات، والقرارات المصيرية، وهذه العلاقة التي بدأت من باب الأدب والكتابة، تحولت إلى صداقة وثيقة وإلى مصدر نفوذ داخل المؤسسة السياسية الفلسطينية، ما فتح بابًا واسعًا للجدل، والاتهامات، والتأويلات.

من الكتابة إلى المستشارية الثقافية

دخلت رشيدة مهران إلى حياة عرفات من خلال رغبتها في تأليف كتاب عن سيرته، وطلبت لقاءه من أجل جمع المعلومات من المصدر الأول نفسه وهو بطبيعة الحال «إرادة صحافية بحتة»، وخلال لقائهما الأول، أبدى عرفات إعجابه بأسلوبها، وقرر تعيينها في موقع رسمي كمستشارة ثقافية له، بعقد طويل الأجل وبمقابل مالي كبير، لتصبح بذلك واحدة من أقرب الشخصيات النسائية إليه، وترافقه في العديد من جولاته الخارجية، وتحضر اجتماعاته، وتدخل في دوائر ضيقة كانت حكرًا على أبرز القيادات.

رشيدة مهران وياسر عرفات.. حضور مثير في أروقة منظمة التحرير

بفضل مكانتها الجديدة، وجدت رشيدة مهران نفسها داخل نواة القرار الثقافي في منظمة التحرير، حيث ساهمت في وضع الخطط الثقافية، وشاركت في نشاطات إعلامية وسياسية داعمة للقضية الفلسطينية، ومن خلال قربها من عرفات، أصبحت صاحبة رأي نافذ، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين داخل المنظمة وخارجها، وخلق حالة من الانقسام حول مدى تأثيرها الفعلي، وحدود صلاحياتها، ودوافع وجودها في هذا الموقع الحساس.

رسوم كاريكاتيرية تشعل الأزمة

العلاقة التي كانت توصف بالغامضة بين مهران وعرفات، دفعت الفنان الفلسطيني المعروف ناجي العلي إلى نشر رسم كاريكاتيري صادم، يظهر فيه شخصية تشبه عرفات مع امرأة، اعتُقد أنها تمثل رشيدة مهران، هذا الكاريكاتير أثار ضجة واسعة، ودفع عرفات إلى التلويح بردود فعل غاضبة، حيث رُوي أن ناجي العلي تلقى تهديدات بعد هذه الرسمة، وفي عام 1987، تم اغتيال العلي في لندن برصاصة غادرة، ولا تزال القضية مفتوحة دون حل نهائي، فيما توجهت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة، من بينها جماعات مرتبطة بالفلسطينيين أنفسهم، شاهد الكاريكاتير من (هنا).

تراجع العلاقة واختفاء تدريجي

مع مرور الوقت، بدأت علاقة رشيدة مهران بعرفات تأخذ منحنى مختلف، حيث اختفت تدريجيًا من المشهد العام، واختفى معها الحديث عنها في وسائل الإعلام، وتشير بعض المصادر إلى أن الخلافات الداخلية داخل المنظمة، والضغوط السياسية الإقليمية، وربما الدولية، أجبرت مهران على الابتعاد، بينما تشير آراء أخرى إلى أنها اختارت بنفسها الانسحاب حفاظًا على خصوصيتها وصورتها الأدبية، لتختفي خلف ستار من الغموض، وتبقى سيرتها محل تساؤلات.

رشيدة مهران وياسر عرفات.. نتاج أدبي مثير للجدل

من ثمار هذه العلاقة الوثيقة، جاء كتاب رشيدة مهران الشهير «ياسر عرفات الرقم الصعب»، والذي روت فيه تفاصيل دقيقة عن حياة الزعيم الفلسطيني، لكن بأسلوب يميل إلى التمجيد والدفاع، ما اعتبره بعض النقاد نصًا يغلب عليه الانحياز الشخصي، في حين اعتبره آخرون وثيقة إنسانية وسياسية نادرة، توثق حقبة هامة من النضال الفلسطيني من وجهة نظر قريبة جدًا من صانع القرار، ويمكن قراءة معلومات إضافية عن هذا العمل من خلال المكتبة المركزية لجامعة بيرزيت.

جدل دائم وذاكرة لا تنسى

قصة رشيدة مهران وياسر عرفات تظل واحدة من أكثر القصص تعقيدًا في مسار الزعماء العرب، حيث اختلط فيها الخاص بالعام، والأدب بالسياسة، والعاطفة بالنفوذ، وقد تحولت إلى مادة دسمة للصحف، والمنتديات، والكتب، لتشكل حالة فريدة لا تتكرر كثيرًا، ما زالت آثارها تظهر حتى اليوم في تحليلات المؤرخين، وكتابات المفكرين، وأسئلة الجمهور عن طبيعة تلك العلاقة، وأثرها على قرارات مرحلة حساسة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *