محمد أحمد كيلاني
للتعرف على الأطباء والفلاسفة الأوائل في التاريخ، علينا السفر إلى اليونان القديمة، إلى تلك الحضارة التي أعطت أهمية كبيرة للصحة، وهناك ظهر فيثاغورس الساموسي، ونحن نعلم أن مدرسة فيثاغورس كانت تسعى في الأساس إلى الصحة، حتى أنها أصبحت رمزًا للإنسان، وأفلاطون، بلا شك أبرز مفكري القرن الرابع قبل الميلاد، وكان طالبًا في الطب، وتناول في جمهوريته العلاقة بين الجسد والروح والطب، وتعمق في أسس العلاج، وهناك ناقش أيضًا مسألة تحسين النسل، وهي ممارسة بررها موضحًا أنها تُنفذ لصالح الدولة، فدعونا نستعرض بعضًا من الأطباء الفلاسفة.
الأطباء الفلاسفة
على الرغم من أن أرسطو لم يكن طبيبا، إلا أنه كان ينحدر من عائلة من الأطباء، مما ساعد، جزئيا، على تناول موضوع الصحة في بعض كتبه.
وفي كتابه الأخلاق النيقوماخية، على سبيل المثال، أوضح أن التمتع بالصحة ليس مسألة نزوة أو صدفة، ولكنه نتيجة لعيش حياة صحية.
من أبقراط إلى جالينوس
وفي آسيا الصغرى، التي كانت في ذلك الوقت كتلة من المستعمرات اليونانية، ولد أبقراط القوسي، وهو شخصية تُعتبر أبو الطب، لأنه فصل العلم عن الخرافة بشكل نهائي.
ففي ذلك الوقت الكل عَرف أن المرض لا يعود إلى عقوبة إلهية كما كان يُعتقد، بل إلى خلل في الطبيعة البشرية، ومهمة الطبيب هي إيجاد تفسير منطقي، متخليًا عن المعتقدات السحرية.
ولم يتصور أبقراط ممارسة الطب دون الفلسفة، وكان من الضروري أن يكون الطبيب على دراية بالفلسفة ويطبقها في ممارسة مهنته، بالإضافة إلى ذلك، كان قلقًا بشأن السلوك الذي يجب أن ينظمه القانون الأخلاقي للطب، وهو ما نعرفه الآن بالأخلاق.
لقد كان مبتكر قسم أبقراط ودافع عن أن الطبيب، إذا اتبع، يستحق الثناء، إلى درجة أنه يصبح نبيلاً، في “أرستوس”، وهي كلمة يونانية تشتق منها كلمة أرستقراطي.
وفي زمن الإمبراطورية الرومانية، أشرقت شخصية جالينوس، فهو الطبيب الذي عاش في القرن الثاني الميلادي.
بالنسبة له، كان شرطًا أساسيًا أن يحصل الطبيب على تدريب قوي في الفلسفة، لأنها كانت الطريقة الوحيدة ليصبح محترفًا جيدًا.
وفيما يتعلق بالأخلاق، اقترح أن يرتكز على الفضائل الأرسطية المتمثلة في والاعتدال والحصافة!.
المفكرون الإسلاميون واليهود
ابن سينا، جنبا إلى جنب مع ابن رشد، هو الممثل الرئيسي للفلسفة الإسلامية، وعمله الطبي الرئيسي هو القانون في الطب، وهو ملخص منظم في أربعة عشر مجلدًا ويحتوي على أكثر من مليون كلمة.
ويوضح فيه أنه يجب على الطبيب دمج جميع المعلومات في عملية منظمة، باستخدام الحجج العقلانية وإذا كانت هناك شكوك فمن الضروري التفكير “بصوت عال” لتجنب ارتكاب الخطأ، وقد أعطى في أطروحته أهمية كبيرة لممارسة الرياضة والتغذية وأسلوب الحياة.
أما من الناحية الفلسفية، فإن أشهر أعماله هو كتاب الشفاء، حيث يتناول ما يسمى”المسائل الإلهية” ويشير إلى أن الأرواح لا توجد مسبقًا في الجسد، وأنه بالإضافة إلى ذلك، هناك خمسة أرواح مختلفة أنواعها، إلهي، وملائكي، ونباتي، وحساس، وعقلاني.
وكان المفكر اليهودي الرئيسي في العصور الوسطى هو موسى بن ميمون، فالنفس البشرية عنده خمسة أجزاء، مغذية، وحساسة، ومتخيلة، وشهوانية، وعاقلة.
وبحسب هذا المفكر، فإن الناس لا يولدون بفضائل أو رذائل، بل نطورها من خلال عملية التعود، من خلال التكرار، ولهذا السبب تقع على عاتقنا مسؤولية الاهتمام بتكوين شخصيتنا.
وبالنسبة له، فكما يحتاج الطبيب إلى معرفة ما الذي يعالجه قبل العلاج، فإن الذي يعالج النفس يجب عليه تطهير العادات الأخلاقية الشريرة ومعرفة النفس بأكملها، بالإضافة إلى معرفة ما الذي يمرضها وما الذي يجعلها مريضة.
وفي المجال الطبي، رأى أنه يجب علاج كل مريض على حدة، مما ألهم الثقة والأمان، ودافع عن ضرورة البحث عن الانسجام التام في العلاقة بين الطبيب والمريض.
أحد آباء الليبرالية الكلاسيكية كان جون لوك، الذي كان طبيبًا أيضًا، وقد كان من أوائل الفلاسفة التجريبيين، المدافع عن أن المعرفة تنبع من التجربة، لذلك يجب أن يكون للعلم والفلسفة منهج تجريبي.
الأطباء الفلاسفة.. الجمع بين التقليد والتجريبية
أما الطب، فقد ساهمت تجربته في أن يصبح مجالًا أكثر تجريبية، وبالتالي أكثر علمية، ولا شك أن دوره كان حاسمًا في التوفيق بين التقليد والمنهجية الجديدة.
أقرأ أيضاً.. “الانسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!