
تُعد صلاة الخسوف من أعظم السنن التي تركها لنا النبي ﷺ لتكون عبادة جامعة بين التأمل والخشوع، فهي لحظة نادرة حين تتبدل معالم السماء ويغشاها ظل الأرض فينكسف القمر أو تنكسف الشمس، عندها يقف المسلم بين يدي ربه خاشعًا مستحضرًا عظمة الخالق وعجز الإنسان أمام هذا الكون الفسيح، إن صلاة الخسوف ليست مجرد أداء ركعتين وإنما هي دعوة للتوبة والاستغفار وتجديد الصلة بالله.
صلاة الخسوف تُؤدى عند وقوع خسوف القمر أو كسوف الشمس، وهي سنة مؤكدة بإجماع العلماء، تبدأ من لحظة ظهور الخسوف وحتى انتهائه، فإذا زالت الظاهرة انقضى وقتها ولا تُقضى بعده، وهي تذكير إلهي بقدرة الله وعظمته لا علاقة لها بالخرافات أو العقوبات كما قد يظن البعض، بل هي آية من آيات الله تستوجب التفكر والرجوع إليه.
كيفية أدائها جاءت واضحة عن النبي ﷺ، فهي ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، فيبدأ المصلي بتكبيرة الإحرام ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا ويطيل فيها، ثم يركع ركوعًا طويلًا، وبعده يرفع ويقرأ الفاتحة مرة أخرى وآيات طويلة ثم يركع ثانية، ثم يرفع ويسجد سجدتين طويلتين، وتُكرر الركعة الثانية بنفس الصفة، وقد كان النبي ﷺ يطيل القراءة والركوع والسجود والدعاء حتى يطول وقت الصلاة بقدر طول الظاهرة، وللمسلم أن يصليها منفردًا أو مع جماعة في المسجد أو مع أهل بيته.
أما الأدعية فالأمر فيها واسع، إذ لم يرد نص بعينه وإنما الثابت أن النبي ﷺ أطال الدعاء والاستغفار، ومن المستحب أن يكثر المسلم في هذه اللحظات من التضرع وطلب الرحمة والمغفرة والعفو، والدعاء برفع البلاء عن الأمة والهداية إلى الحق والثبات على الطاعة، فالمقصد الأعظم من الصلاة استحضار القلب والخضوع لله.
العلماء أكدوا أن الخسوف والكسوف آيتان كونيّتان لا تدلان بالضرورة على عقاب أو بشرى، بل هما تذكير للإنسان بضعفه أمام عظمة الكون، وقد شددوا على ضرورة الابتعاد عن الشائعات والتفسيرات المغلوطة التي تصاحب هذه الظواهر، فالأصل أن يواجهها المسلم بالعبادة والذكر والدعاء.
وقد شهد العالم في سبتمبر 2025 خسوفًا للقمر لفت أنظار الملايين، وكان فرصة عظيمة للمسلمين لإحياء هذه السنة النبوية، إذ امتلأت المساجد بالمصلين، وارتفعت الدعوات والقلوب خاشعة بين يدي الله، ليبقى هذا الحدث السماوي مناسبة إيمانية لا تتكرر كثيرًا.
خلاصة القول إن صلاة الخسوف نافذة روحية تعيد للمؤمن توازنه مع خالقه وتُشعره بعظمته تعالى، وهي لحظة ينبغي اغتنامها في الدعاء والاستغفار والتوبة، فمن صلى صلاة الخسوف كما صلاها النبي ﷺ فقد أحيا سنة عظيمة ونال بركة الذكر والخشوع، وجعل من حدث كوني استثنائي محطة نور في مسيرته الإيمانية.
اقرأ ايضًا.. الدموي يزين سماء السعودية.. خسوف كلي للقمر “نادر” يترقبه الملايين ليلة 7 سبتمبر