كيفية تحقيق السعادة عند الفيلسوف اليوناني أبيقور “الملعون”

محمد أحمد كيلاني 

لقد كانت فكرة السعادة إحدى الثوابت في أفكار الفلاسفة عبر التاريخ، وعلى وجه التحديد، فإن فلسفة أبيقور، الفيلسوف اليوناني الذي عاش بين عامي 341 و270 قبل الميلاد، يركز على البحث عن تحقيق السعادة والطمأنينة، أي هدوء الروح، ويحاول أبيقور بناء فلسفة علاجية قادرة على مساعدة الإنسان على تحقيق السعادة والسلام والهدوء الداخلي، وذلك على الرغم من أخلاقياته التي  سببت الكثير من سوء الفهم لأنها كانت مبنية على المتعة، وتقترح دليلاً للعمل والحياة السعيدة.

حديقة أبيقور

ولد الفيلسوف الملعون كما كان يُطلق عليه في جزيرة ساموس عام 341 قبل الميلاد، وعاش وطور نشاطه الفكري خلال العصر الهلنستي، وهي الفترة التي امتدت بين وفاة الإسكندر الأكبر  أي عام 323 قبل الميلاد، ونهاية الجمهورية الرومانية عام 31 قبل الميلاد.

وركزت المدارس الفلسفية المختلفة التي ولدت خلال الفترة الهلينية، ومن بينها الرواقية والأبيقورية والشكوكية، أفكارها على مجال المشكلات الأخلاقية والأنثروبولوجية، تاركة جانبًا، إلى حد ما، المسائل الشكلية أو العلمية البحتة.

وفي عام 306 قبل الميلاد، أسس أبيقور مدرسة فلسفية سماها حديقة أبيقور، حيث كان يحضرها أصدقاؤه وتلاميذه، وكانت فلسفته موجهة قبل كل شيء نحو الممارسة، والتأكيد على توفير السلام اللازم لحياة سعيدة وممتعة.  

وهكذا، كان لا بد من ترك المخاوف من القدر أو الآلهة أو الموت وراءنا بشكل نهائي، وكانت أدواتها الأساسية هي النظرية التجريبية للمعرفة، والفيزياء الذرية، وأخلاق المتعة.

وعلى الرغم من أنه كان كاتبًا غزير الإنتاج، إلا أنه لم يتبق من أعماله سوى ثلاث رسائل، وهي: إلى هيرودوت، وإلى مينوسيوس، ورسالة إلى فيتوكليس.

تحقيق السعادة 

منذ أكثر من ألفي عام، توصل أبيقور إلى استنتاج مفاده أن ما نرغب فيه حقًا هو المتعة، إلا أن هذا الفيلسوف اهتم بالمتع الفكرية أكثر من اهتمامه بالمتع المادية، وفي بعض النواحي اهتم بتجنب الألم أكثر من اهتمامه بالسعي المباشر للمتعة.

ولم يركز مفهومه عن الوجود الإنساني المثالي على إشباع الشهوات الجسدية، بل على تحقيق حالة خالية من كل المعاناة العقلية التي أطلق عليها اسم “الأتاراكسيا” وتعني حرفيًا، الهدوء أو الصفاء.

وبهذا المعنى، وللتغلب على المعاناة العقلية وتحقيق تلك الحالة من الصفاء المنشود، رأى أبيقور أنه يجب علينا أولاً أن نتعرف على أسباب همومنا، بالإضافة إلى الحجج التي تبين لنا أن هذه الأسباب لا أساس لها من الصحة، وبحسب هذا الرجل الحكيم، لا توجد أسباب مقنعة للقلق بشأن الأشياء التي تقلقنا عادة.

وبالتالي، إذا كان أعظم خير يمكن للبشر تحقيقه هو السعادة، فإن هذا يتم تحديده بالمتعة، ويُفهم على أنه الغياب التام للألم، ومع ذلك، ليس من الضروري اختيار جميع الملذات، وذلك وفقًا لأبيقور، لأن بعضها يمكن أن يسبب ألمًا أكبر على المدى الطويل.

ماذا يجب أن نفعل لتحقيق السعادة

وبالنسبة لهذا الفيلسوف، يجب على الأشخاص الذين يطمحون إلى أن يكونوا سعداء أن يقوموا بعملية حسابية حكيمة بين المزايا والعيوب لتحقيق أقصى قدر من المتعة والحد الأدنى من الألم، باستخدام الفضائل كوسيلة، وليس كغايات، لتحقيق السعادة.

وهكذا، وفقًا لأبيقور، فإن الحكمة هي دليل المتعة، لأنها تسمح بالحساب الأمثل، ومن ناحية أخرى، فإن الاعتدال ضروري لأنه يوفر للفرد حالة من “الهدوء” من خلال القضاء على الرغبات المصطنعة والحاجات المخلوقة.

وكلما قل عدد الرغبات لدينا وكلما كانت أبسط وأكثر طبيعية، كلما كان من الأسهل إشباعها والتغلب على المعاناة، وهو ما يحدد في النهاية حجم المتعة، ولكن بالإضافة إلى ذلك فإن الشجاعة أو القوة مهمة، لأنها تتيح للإنسان أن يحرر نفسه من الخوف والقلق، كما يتغلب على كل الشرور الحتمية التي قد تحدث له.

ومع ذلك، فمن اللافت للنظر، من بين جميع الفضائل، أن الفضائل التي تحظى بأكبر قدر من الثناء من هذا المثقف هي الصداقة، وليس فقط بسبب الرضا الذي توفره، ولكن لأنها أصل العدالة الاجتماعية،، “فلا ضرر ولا ضرار”، والتي يقوم عليها في نهاية المطاف التعايش مع إخواننا من بني البشر.

 كيف نفهم السعادة بحسب أبيقور؟

لقد تحدى أبيقور المجتمع في عصره، ووضع النشاط السياسي، والمبالغة في تقدير الثروة والسلطة في الخلفية، معتبرا إياها وسائل غير مجدية لتحقيق السعادة.  

وأثار انتقاده للعبودية وعدم المساواة بين الرجال والنساء، وحتى بين اليونانيين والبرابرة، ضجة خاصة، ويمكن لأي شخص أن يصل إلى مدرسته الفلسفية، وهي مدرسة أصدقاء أكثر منها أكاديمية، بغض النظر عن جنسه وطبقته الاجتماعية، لأن الخير لا يفهم هذه الفروق.

أقرأ أيضاً.. معنى السعادة كما قال الإمبراطور الروماني “ماركوس أوريليوس” وآخرون