محمد أحمد كيلاني
30 أبريل 1945، كانت الحرب العالمية الثانية، أكثر الأحداث دموية في تاريخ مجتمعنا، تعيش ساعاتها الأخيرة، وفي هذه الأثناء، سارت المصورة الأمريكية “لي ميلر” وشريكها “ديفيد إي شيرمان” عبر الباب الأمامي لمنزل أقوى رجل في العالم “أدولف هتلر” في ميونيخ، وقاموا بجولة في منزل زعيم النازية، والتقطوا الصور، وبدأ مزاج نهاية الحرب يطفو على الهواء.
لي ميلر على فراش هتلر
ومع صمت السلام، فعلت ميلر شيئًا كان قليلًا من الناس يجرؤون على فعله، فقد خلعت ملابسها وتركت حذائها الملطخ بالطين على السجادة ودخلت حوض الاستحمام.
لقد مرّت لي ميلر المرأة، وعارضة الأزياء، والصحافية، بأهوال الحرب لتصل إلى تلك اللحظة، فتلك اللحظة التي تمكنت فيها أخيرًا من التحرر، وبعد أن جفت من مياه الاستحمام، واصلت لي ميلر كسر خصوصية هتلر وأخذت غفوة في السرير الذي تقاسمه الرئيس الألماني مع زوجته “إيفا براون”.
وعلى بعد مئات الكيلومترات، في برلين، كان أدولف هتلر يغلق باب غرفته الخاصة، وتقول القصة، أن المستشار المهزوم قد أطلق النار على رأسه في تلك الليلة، وهو يشاهد إمبراطوريته تسقط، في 30 أبريل 1945، ففي طَرفي ألمانيا النازية، وقعت أحداث تاريخية، واحد منهم بطولة امرأة شجاعة تُدعى لي ميلر.
من هي لي ميلر؟
ولدت إليزابيث “لي” ميلر في 23 أبريل 1907 في بوككيبسي- نيويورك، وكان أول لقاء لها مع الكاميرا عندما كانت طفلة، فقد كان والدها مغرمًا بالتقاط الصور حيث كانت ابنته هي البطل في أغلب صوره، وفي الواقع، دفعتها تلك الأيام العائلية إلى البحث عن حظها في عرض الأزياء في سن مبكرة.
وفي التاسعة عشرة فقط من عمرها، تمت دعوة ميلر من قبل “كوندي ناست” لتكون على غلاف مجلة فوغ في مارس 1927، ومن هناك، انطلقت مسيرتها المهنية لدرجة أن العشرات من المصورين كافحوا للعمل معها، وعلى مدار العامين التاليين، طرحت “لي” -كما أطلق عليها المقربون- آلاف الصور، ومع ذلك، عندما تم استخدام إحدى هذه الصور في إعلان لبيع الفوط، أصيبت الشابة بخيبة أمل وتركت مهنتها.
على الرغم من أنها كانت محطمة القلب، إلا أن العارضة كانت متأكدة من أنها تريد أن تكون الكاميرات جزءًا من حياتها، وبالطبع، لم تعد هي المادة التي تُصور، بل أصبحت كنافذة لإظهار صوتها ونظرتها، وهكذا قررت السفر إلى باريس وطلبت المساعدة من المصور إيمانويل رادينتسكي، المعروف باسم مان راي، ولكنه رفض قبولها، ولكن بمرور الوقت فتح باب الاستوديو الخاص به لها وساعدها.
من عارضة أزياء إلى مصورة حربية
وخلال الفترة التي قضتها لي ميلر في باريس، التقطت صورًا مع أمثال بابلو بيكاسو، وجان كوكتو، وبعد ثلاث سنوات، غادرت المصورة العاصمة الفرنسية وعادت إلى نيويورك، حيث قدمت عرضًا في غاليري والتقت بمن سيصبح زوجها الأول “عزيز علوي باي”.
ولم يدم زواجهم طويلاً، وهي المرحلة التي دفنت فيها أعمالها الفوتوغرافية بسبب “التزاماتها” الزوجية، وفي عام 1937 عادت إلى مدينة النور، وكانت أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي فترة مهمة في مسيرة ميلر المهنية، فقد عرضت أعمالها في متحف نيويورك للفن الحديث (moma)، وسافرت حول العالم، ورسخت اسمها كمصورة.
لي ميلر في الحرب العالمية الثانية
عند إندلاع الحرب العالمية الثانية، انضمت لي إلى فيلق مراسلي حرب لندن، وبدعم من كاميرتها، التقطت المصورة الصحفية مشاهد تظهر أسوأ وجه للإنسان، وذلك خلال، معسكرات الاعتقال، والقتل العشوائي، والهجمات الكيماوية، بين عامي 1939 و 1945، لقد عملت لي ميلر لتقدم للعالم أفعال نظام تم تجاهله حتى فوات الأوان.
ماذا حدث للمصورة بعد أن نامت في سرير هتلر؟
بعد نهاية الحرب، انتقلت ميلر إلى المملكة المتحدة، وتم نشر مغامراتها التي حملت عنوان “صراعي” (My Struggle) في مجلة “لايف”، وقد عَرف وجهها الآلاف، وازداد الاهتمام بإعادتها أمام الكاميرا بين وسائل الإعلام.
ولسوء الحظ، عُرفت العقود الأخيرة في حياة المصورة بتداعيات عملها الصحفي الممتاز، ولكن أجهزة المخابرات البريطانية اشتبهت في أنها جاسوسة سوفياتية ومنعت اتصالاتها لأكثر من عقد، وكانت المشاهد التي شاهدتها في أوروبا التي “مزقتها الحرب” تطاردها وتسبب لها اضطرابات، وكانت حياتها العاطفية المعقدة والمشروبات الكحولية، والاكتئاب المتسارع، أسبابًا أغرقت حياتها.
ونظرة المصورة لي ميلر، المرأة التي استمتعت بالفن السريالي لبيكاسو وإرنست، وراقبت نمو ابنها “رولاند بنروز”، والتقطت خراب الحرب، تلاشت في 21 يوليو 1977 لحظة وفاة المراسلة الحربية وصاحبة أشهر قصة في بيت هتلر.
أقرأ أيضاً.. “تشي جيفارا” الطبيب الثائر